للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والثاني: ظاهر أنه غير صحيح، وهو عين البدعة. لأنه لا يرجع إلاّ لمجرد الرأي المبني على الهوى، وهو أبدع البدع وأفحشها، كالرهبانية المنفية عن الإسلام، والخصاء لمن خشي العنت، والتعبد بالقيام في الشمس، أو بالصمت من غير كلام أحد. فالترغيب في مثل هذا لا يصح، إذ لا يوجد في الشرع، ولا أصل له يرغب في مثله، أو يحذر من مخالفته.

والثالث: ربما يتوهم أنه كالأول من جهة أنه إذا ثبت أصل عبادة في الجملة، فيسهل في التفصيل نقله من طريق غير مشترط الصحة. فمطلق التنفل بالصلاة مشروع، فإذا جاء ترغيب في صلاة ليلة النصف من شعبان١ فقد عضده أصل الترغيب في صلاة النافلة. وكذلك إذا ثبت أصل صيام، ثبت صيام السابع والعشرين من رجب٢ وما أشبه ذلك. وليس كما توهموا، لأن الأصل إذا ثبت في الجملة لا يلزم إثباته في التفصيل، فإذا ثبت مطلق الصلاة لا يلزم منه إثبات الظهر والعصر أو الوتر أو غيرها حتى ينص عليها على الخصوص. وكذلك إذا ثبت مطلق الصيام لا يلزم منه إثبات صوم رمضان أو عاشوراء أو شعبان أو غير ذلك، حتى يثبت بالتفصيل بدليل صحيح. ثم ينظر بعد ذلك في أحاديث الترغيب والترهيب بالنسبة إلى ذلك العمل الخاص الثابت بالدليل الصحيح وليس فيما ذكر في السؤال شيء من ذلك، إذ لا ملازمة بين ثبوت القيام الليلي والنهاري في الجملة، وبين قيام ليلة النصف من شعبان بكذا وكذا ركعة يقرأ في كل ركعة منها بسورة كذا على الخصوص كذا وكذا مرة. ومثله صيام اليوم الفلاني من الشهر الفلاني، حتى تصير تلك العبادة مقصودة على الخصوص ليس في شيء من ذلك ما يقتضيه مطلق شرعية التنفل بالصلاة أو الصيامِ والدليل على ذلك أن تفضيل يوم من الأيام أو زمان من الأزمنة بعبادة يتضمن حكماً شرعياً فيه على الخصوص، كما ثبت لعاشوراء مثلاً، أو لعرفة أو لشعبان مزية على مطلق التنفل بالصيام، فإنه ثبت له مزية على الصيام مطلق الأيام. فتلك المزية اقتضت مرتبة في الأحكام أعلى من غيرها لا تفهم من مطلق مشروعية الصلاة النافلة، لأن مطلق المشروعية يقتضي


١هذا العمل مأخوذ من حديث علي رضي الله عنه وقد سبق مع الحكم عليه وروى أيضا من حديث أبي هريرة قال بن الجوزي فيه موضوع وفيه جماعة مجهولون (الموضوعات: ٢/١٢٩) .
٢صوم هذا اليوم مروي عن انس بن مالك رضي الله عنه أخرجه هناد النسفي في جزئه من فوائده من طريق الزهري عن أنس قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم:" بعثت نبياً في السابع والعشرين من رجب فمن صام ذلك اليوم كان له كفارة ستين شهراً " أورده الحافظ ابن حجر في كتابه تبيين العجب بما ورد في فضل رجب ص ٢٨ وقال:" سنده منكر "- وروى فضل صوم هذا اليوم عن ابن عباس وأبي هريرة موقوف عليها ذكر ذلك الحافظ (تبيين العجب ص ١٨،٢٨) وقد قال في مطلع كتابه (ص ٣) :" لم يرد في فضل رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروى الحافظ، وجميع الأحاديث الواردة في فضل شيء منه أو في فضله إما ضعيفة أو موضوعة ". وقال الحافظ:" وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب أو في فضل صيامه أو صيام شيء منه صريحه فهي على قسمين ضعيفة وموضوعة ".

<<  <   >  >>