للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العامل إن كان صدقاً ولا يضره إن كان كذباً لكن النفس لم تندفع لذلك العمل إلا رجاء عظيم ثوابه فما الذي دل على ذلك الثواب وهو من الأمور المغيبة التي لا تعرف إلا من طريق الخبر فيبقى الأمر لذلك الخبر الذي صدقه العامل برجاء ما فيه من الثواب فيكون له في ذلك نصيب من الكذب الذي ينبغي للمؤمن أن يحتاط لنفسه لئلا يقع فيه ولا ينبغي له أن يعمل أو يصدق إلا بما غلب على ظنه صحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والعامل الذي يرجو ثواباً لم يرد في حديث صحيح لو سئل لماذا عملت بهذا؟ لأشار إلى هذا الثواب ناسباً إياه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك لو رغب غيره للعمل به سيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر الحديث المتضمن لذلك.

وشريعة الله كاملة لا تحتاج إلى شيء عليها.

قال تعلى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...} ١ فنحن بغنى عن هذا الحديث الضعيف أما ما لم يكن حديثاً كأن يكون من الإسرائيليات أو من المنامات أو أقوال السلف أو وقائع حصلت جاز ذكره في الترغيب والترهيب والترجيه والتخويف إذا علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع لانتفاء الخطر المذكور آنفاً عنه ولقوله صلى الله عليه وسلم: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" أخرجه البخاري٢ فلو لم يكن في التحديث عنهم فائدة لما رخص في ذلك٣.

وللإِمام الشاطبي كلام فيه حسم لهذا الموضوع قال: "أن العمل المتكلم فيه إما أن يكون منصوصاً على أصله جملة وتفصيلاً أو لا يكون منصوباً عليه لا جملة ولا تفصيلاً أو يكون منصوصاً عليه جملة لا تفصيلاً".

فالأول: لا إشكال في صحته، كالصلوات المفروضات والنوافل المرتبة لأسباب وغيرها، وكالصيام المفروض، أو المندوب على الوجه المعروف، إذا فعلت على الوجه الذي نص عليه من غير زيادة ولا نقصان، كصيام عاشوراء أو يوم عرفة والوتر بعد نوافل الليل، وصلاة الكسوف. فالنص جاء في هذه الأشياء صحيحاً على ما شرطوا، فثبتت أحكامها من الفرض والسنة والإستحباب، فإذا ورد في مثلها أحاديث ترغيب فيها، أو تحذير من ترك الفرض منها، وليست بالغة مبلغ الصحة، ولا هي أيضاً من الضعف بحيث لا يقبلها أحد، أو كانت موضوعة لا يصح الإستشهاد بها، فلا بأس بذكرها والتحذير بها والترغيب، بعد ثبوت أصلها من طريق صحيح.


١ سورة: المائدة، الآية: ٣.
٢ صحيح البخاري أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (فتح الباري ٦/ ٤٩٦) .
٣ الفتاوى: ١٨/ ٦٦.

<<  <   >  >>