للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً ولم يقل أحد من الأئمة أن يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ومن قال هذا فقد خالف الإجماع"١.

الحالة الأخرى: أن يتضمن عملاً لم يثبت بدليل شرعي يظن بعض الناس أنه مشروع فهذا لا يجوز العمل به لأن اعتقاد موجبه ومقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي٢.

وقال ابن تيمية مبيناً مراد العلماء القائلين بالعمل بالحديث الضعيف: "وإنما مرادهم بذلك أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع كتلاوة القرآن والتسبيح والدعاء والصدقة والعتق والإحسان إلى الناس وكراهة الكذب والخيانة ونحو ذلك فإذا روي حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها وكراهة بعض الأعمال وعقابها فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روي فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف من ذلك العقاب كرجل يعلم أن التجارة تربح لكن بلغه أنها تربح ربحاً كثيراً فهذا إن صدق نفعه وإن كذب لا يضره"٣.

قلت: إلا أن هذا لا يقصر العمل بالأحاديث الضعيفة على شدة الإندفاع إلى العمل أو الإنكفاف عنه فحسب وإنما يعني أمراً آخر وهو رجاء ذلك الثواب الذي ينتفع به


= وقد وهم المناوي (فيض القدير ٣/ ٥٥٩) في جعل عمران راوي الحديث (القصير البصري) ولعله تبع في ذلك أبا نعيم، إذ أن أبا نعيم أورد هذا الحديث في ترجمة القصير، والدارقطني إذ قال:" وقد قيل أن عمران بن مسلم هذا ليس بعمران القصير ذكره أبو عيسى محمد بن سورة الحافظ عن البخاري وهو عندي عمران القصير والله اعلم " (العلل ٤/ لوحة ٥٨) قلت: والحق أنهما اثنان ذلك مكي وهذا بصري، وقد فرق بينهما البخاري وابن أبي حاتم ويعقوب بن سفيان وابن أبي خيثمة والعقيلي وابن عدي والذهبي (راجع التهذيب: ٨/١٣٨ وميزان الاعتدال: ٣/٢٤٢ والجرح والتعديل: ٦/ ٣٠٤) ولا سلف للدارقطني ولا اعتمد على شيء في ذلك.
وقد ذكر الأئمة هذا الحديث في ترجمة (المكي) منهم ابن عدي والذهبي وحكموا عليه بالضعف، جاعلين علته عمران بن مسلم المكي.
وإيراد أبي نعيم هذا الحديث في ترجمة عمران القصير وهم ولعل منشأ هذا الوهم إضافة عمران في السند عنده إلى القصير وهذا إما وهم منه أو من شيخه أو شيخ شيخه ومما يؤكد الوهم في ذلك أن الحديث مخرج من طريق الحسن بن عرفة عنده وعند جميع من تقدم ذكره ولم يرد عند غيره إضافة عمران إلى القصير.
ولو كان واحداًً لما حكم عليه البخاري بمنكر الحديث كما تقدم ثم يخرج له في صحيحه (راجع هدي الساري ٢/ ٢٠٠) .
والحديث أخرجه أيضاً ابن صهري في اماليه وابن النجار وابن شاهين في الترغيب (كنز العمال: ١/ ٤٣٠) ولم أقف على أسانيدها.
وقد قال ابن شاهين:" هذا حديث صحيح الإسناد، حسن المتن، غريب الألفاظ ". فان كان من غير هذا الطريق فلعله كما قال وإلا فقد عرفت ضعف هذا الطريق. والله أعلم.
١ الفتاوى: ١/ ٢٥١.
٢ الفتاوى: ١٨/ ٦٥، ٦٨.
٣ الفتاوى: ١٨/ ٦٦.

<<  <   >  >>