للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

معنى هذا الحديث إذا روى الرجل حديثاً ولا يعرف لذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أصل فحدث به فأخاف أن يكون قد دخل في هذا الحديث"١.

قال ابن حجر٢: "فإن قيل الكذب معصية، إلا ما استثنى في الإصلاح وغيره، والمعاصي قد توعد عليها بالنار فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب غيره فالجواب عنه من وجهين:

أحدهما: أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم، وهو الشيخ أبو محمد الجويني، لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده.

وقال ابن المنير إلى اختياره، ووجهه بأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلاً لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر. والحمل على الكفر كفر. وفيما قاله نظر لا يخفى. والجمهور على أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد حل ذلك.

الجواب الثاني: أن الكذب عليه كبيرة، والكذب على غيره صغيرة فافترقا ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه، أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحد أو طول إقامتهما سواء، فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم " فليتبوأ " على طول الإقامة فيها، بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلاً غيره إلا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد مختص بالكافرين.

وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبن الكذب على غيره كما في حديث المغيرة بن شعبة المتقدم " أن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد".

وقال السخاوي مشيراً إلى حديث سمرة المتقدم: "وكفى بهذه الجملة وعيداً شديداً في حق من روى الحديث وهو يظن أنه كذب فضلاً أن يتحقق ذلك ولا يبينه لأنه صلى الله عليه وسلم جعل المحدث بذلك مشاركاً لكاذبه في وضعه"٣.

والكذب على الله تعالى وعلى رسوله بالجملة معلوم تحريمه من الدين ضرورة فإن القرآن مملوء بذلك في حقه تعالى والسنة في حق رسوله صلى الله عليه وسلم ولأن الإفتراء على الرسول افتراء على الله عز وجل٤


١ جامع الترمذي: العلم، باب تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (تحفة الأحوذي ٣/٣٧٤) .
٢ فتح الباري ١/٢٠٢.
٣ القول البديع ٢٥٦.
٤ راجع تنقيح الأقطار وشرحه توضيح الأفكار ٢/٨٥.

<<  <   >  >>