للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} ١.

والمعنى أن مآل أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} ٢ و {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} ٣ فإن قتل الأولاد، ومضاعفة الربا، والإضلال في هذه الآيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها لا لاختصاص الحكم٤.

قال القاري: "وبهذا يندفع زعم من جوز وضع الأحاديث للتحريض على العبادة كما وقع لبعض الصوفية الجهلة في وضع أحاديث في فضائل السور وفي الصلوات الليلية والنهارية وغيرها والأظهر أن تعديته بعلي لتضمين معنى الإفتراء"٥.

قلت: وحمل بعضهم حديث "من كذب عليَّ" على من قال في حقه صلى الله عليه وسلم ساحر أو مجنون مستدلين على ذلك بحديث أخرجه الطبراني٦ عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم فشق ذلك على أصحابه، فقالوا: يا رسول الله نحدث عنك بالحديث نزيد وننقص؟ قال: ليس ذا أعنيكم إنما أعني الذي يكذب علي متحدثاً يطلب به تشقيق الإسلام" وأخرجه الحاكم٧.

قال الحاكم فيه: "حديث باطل والحمل فيه على محمد بن الفضل بن عطية وهو ساقط"٨وقال ابن حجر: "فيه كذبوه"٩.

قال الترمذي: "سألت عبد الله بن عبد الرحمن أبا محمد عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" قلت له: من يروي حديثاً وهو يعلم أن إسناده خطأ، أتخاف أن يكون قد دخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو إذا روى الناس حديثاً مرسلاً فأسنده بعضهم، أو قلب إسناده يكون قد دخل في هذا الحديث؟ فقال: لا. إنما


١ الأنعام الآية، ١٤٤.
٢ آل عمران: الآية، ١٣٠.
٣ الإسراء: الآية، ٣١.
٤ فتح الباري: ١/ ٢٠٠ وراجع فتح المغيث ١/ ٢٤٤.
٥ تحفة الأحوذى: ٣/ ٢ ٣٧
٦ المعجم الكبير:٨/١٥٥.
٧ المدخل: ٩٦.
٨ المدخل: ٩٦.
٩ التقريب ٥٠٢.

<<  <   >  >>