وأنا الناظر حالياً أنني متنازل عن سكناها لتسكنها أسرة الشيخ أحمد الدهلوي المؤسس، وأطلب ممن تولى النظارة بعدي من أبنائي وأحبابي أن يدعوا سكناها للمذكورين ما دام شرط النظارة لا ينطبق عليهم.
٣ - شج رجل فقير معاند مخالف للشيخ في العقيدة رأس ابن الشيخ انتقاما من أبيه, وقامت السلطات بسجن الجاني, فحاول الشيخ أن يشفع في فك سراحه فلم يفلح، ولما كان آل الرجل محتاجين إلى من يعولهم أمرني رحمه الله بالإنفاق عليهم إلى أن يطلق سراح عائلهم، ولما علم الرجل ذلك رجع إلى نفسه، وثاب إلى رشده وكان سبباً لقبوله الحق.
أردت أن أضع هذه النماذج الثلاثة أمام السامع من غير تعليق عليها خشية أن أطيل فيكون الملل.
ولقد اشتغل منذ عام ١٣٦٠هـ بالتدريس في المسجد النبوي وبمدرسة دار الحديث المدنية إلى عام ١٣٦٤هـ حيث انتدب للوعظ والإرشاد بمدينة ينبع النخل، وعاد منها في عامه بعد أن أمضى فيها ثمانية شهور أسس خلالها قواعد متينة، وأشاد بنياناً راسخاً في العقيدة هناك. وأزال كثيراً من البدع والمنكرات، باللطف والحكمة والموعظة الحسنة. وربض في دار الحديث ليثبت أركانها، ويدعم بنيانها، ويعمر جوانبها بالعلم النبوي.
وأشهد بالله تعالى أنه كان يجلس للتدريس من الساعة الثانية صباحاً على وجه التقريب، إلى أذان الظهر جلسة واحدة لا يتخللها كلل ولا ملل, ثم يعود بعد صلاة الظهر ليعقد درساً لبعض الطلاب الذين يشغلهم الضرب في الأسواق صباحاً، وبعد صلاة العصر يرتاد بيته طلاب آخرون للتحصيل والتعلم، وبعد صلاة المغرب وصلاة العشاء يقوم بالدرس العام بالمسجد النبوي, وكانت حلقته تجمع الخليط من الطبقات الصغار والكبار، والمتفرغين لطلب العلم، والراغبين في الانتفاع من العوام وكان الجميع يكرعون وينهلون ويردون ويصدرون، لأن الله حبى الشيخ شفافية النفس، وعظيم الإخلاص، والخلق وسهولة الأسلوب، مع قوة الاقناع فاستفاد منه الكثيرون من المقيمين والحجاج.
أما دار الحديث فقد أخصبت وأفرغت وأربعت ثم ازهرت وأينعت إبان قيامه بإدارتها والتدريس فيها. وصدق عليها ما قال القائل عن دار الحديث النووية بالشام:
وفي دار الحديث لطيف معنى..
وتخرج منها طلاب انتشروا في العديد من البلاد، وأصبحوا قادة في الفكر والعلم ودعاة إلى الحق, وهداة إلى سبيل الله.
وفي أواخر عام ١٣٧٠هـ اختاره جلالة الملك عبد العزيز ليكون ضمن المدرسين في المعهد العلمي بالرياض، ثم بكلية الشريعة فكان يمكث بالرياض مدة الدراسة ويقضي عطلة الصيف بالمدينة المنورة