فيها كبار العلماء، ومنهم الشيخ سعيد فوجد فيها بغيته، وكان مؤسسها العلامة الشيخ أحمد بن محمد الدهلوي رحمه الله - معنياً بالحديث، ومحدثاً مشهوراً أراد من تأسيس هذه الدار إنشاء جيل في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصير بالحديث دراية ورواية, شأن مدارس الحديث في الهند إذ ذاك.
فالتحق الشيخ الأفريقي بها، ودرس فيها الصحاح والسنن، ومصطلح الحديث والفقه وأصولهما، وعلوم الآلة، ورأى مؤسس الدار منه الحرص الشديد على طلب العلم، وانقطاعه له، وإخلاصه فيه فازدادت محبته له، وجعل مكتبة الدار مذللة له، وصار يشرف عليها ويرشده إلى المراجع وينمي فيه ملكة البحث والمطالعة.
وقد استفاد من دار الحديث فائدة عظيمة، وتعمق في الحديث وعلومه ساعده على ذلك وجود العلماء الأجلاء الذين يعلمون في دار الحديث - عد توفيق الله سأتحدث عن بعضهم عند الكلام على الشيوخ الذين تلقى عنهم العلم إن شاء الله - وكان تعلقه بالحديث تعلقاً عظيماً ملأ عليه شغاف قلبه، واستولى على لبه بحيث أصبح مشهوراً بين أقرانه وعند شيوخه برجل الحديث والمحدث.
وأذكر أنني كثيراً ما سمعته يتمثل بأبيات العلامة الذهبي رحمه الله عليه:
أهل الحديث عصابة الحق ... فازوا بدعوة سيد الخلق
فوجدوهم لألاء ناضرة ... لألاءها كفالق البرق
إشارة إلى الحديث الصحيح "نضر اللهُ امرأً سمع مقالتي فوعاها.." الحديث.
وكثيراً ما كان يردد أبياتا من منظومة الشيخ محمد سفر المدني صاحب رسالة الهدى:
وقول أعلام الهدى لا تعملوا ... بقولنا في خلف نص يقبل
فيه دليل الأخذ بالحديث ... وذاك في القديم والحديث
قال أبو حنيفة الإمام ... لا ينبغي لمن له إسلام
أخذ بأقوالي حتى تعرضا ... على الكتاب والحديث المرتضى
ومالك إمام دار الهجرة ... قال وقد أشار نحو الحجرة
كل كلام منه ذو قبول ... ومنه مردود سوى الرسول
والشافعي قال إن رأيتم ... قولي مخالفاً لم رويتم
من الحديث فاضربوا الجدار ... بقولي المخالف الأخبارا
وأحمدٌ قال لهم لا تكتبوا ... ما قلته بل أصل ذلك اطلبوا
دينك لا تقلد الرجالا ... حتى ترى أولاهما مقالا