ثم جعل المتأخرون من علماء الأصول يتناقلون فيما بينهم هذا الاصطلاح وهذه الدعوى مما جعل جمهور الخلف يعتقد هذا الاعتقاد، وظن الناس أن هذا هو معتقد المسلمين سلفاً وخلفاً. وخشية أن يفطن بعض الحذاق لهذا الخداع المقنع خطوا خطوة أخرى كذر للرماد في العيون. فقالوا قولة حق أرادوا بها الباطل وهي قولتهم المشهورة "أن طريقة السلف أسلم" وأوهموا الناس أن طريقة السلف مجرد سرد النصوص دون فهم لمعانيها حتى أطلق عليها بعضهم "أنها طريقة العوام" وأما الطريقة المثلي التي فيها التحقيق والتدقيق هي طريقة الخلف، ولما هدأوا الجمهور بعباراتهم تلك مضوا في طريقهم في إفساد عقيدة المسلمين وإبعادهم عن سنة نبيهم ولم يقف القوم عند هذا الحد بل خطوا خطوة أخرى أخطر من التي قبلها إذ قالوا: إن باب العقيدة باب خطير ومبحث هذا الباب أساس في الإسلام فلا ينبغي أن يستدل فيه إلا بدليل قطعي لا يتطرق إليه النسخ ولا يخضع للتخصيص أو التقييد. ألا وهو الدليل العقلي هذه هي الغاية في تدرجهم، وأنت ترى أن مفهوم الدليل القطعي قد تغير، فبينما كان المراد به في الخطوة الأولى الأحاديث المتواترة أو الآيات القرآنية فإذا يراد به هنا الدليل العقلي فقط. وأما الأدلة اللفظية أو النقلية قرآناً وسنة فلا تنهض للاستدلال بها استقلالاً في هذا الباب. وإنما يستأنس بها إن وافقت الأدلة العقلية القطعية. هكذا تدرج القوم في أسلوبهم إلى أن عزلوا نصوص الكتاب والسنة عن وظيفتها وهي هداية الناس {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} والسنة مثل القرآن في الهداية "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما. كتاب الله وسنتي"، "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري!! ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" رواه الترمذي، وفي لفظ "ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا وإن ما حرمه الرسول مثل ما حرمه الله" أو كما قال..
وعلى الرغم من هذا النصوص وغيرها من النصوص التي تصرخ بأعلى صوتها بأن الهداية كل الهداية والخير كل الخير في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وفي سنة رسوله المبينة للقرآن المفصلة ما أجمل فيه المقيدة لإطلاقه على الرغم من ذلك كله قد التمس القوم الهدى في غير وحي الله فأضلهم الله عقوبة لإعراضهم عنه واستخفافهم بشرعه. وفي حديث على بن أبي طالب عند الترمذي