نزل وأنه بين للناس ما يحتاج إلى البيان وأنه دعا الناس إلى سبيل الله ولم يفتر عن الدعوة إلى الله حتى التحق بالرفيق الأعلى.
إن هذا المقدار من الإيمان من أصول هذا الدين وأساسه الذي ينبني عليه كل ما بعده. إذا كنا نؤمن هذا الإيمان - ويجب أن نؤمن - فأين نجد بيانه الذي به يتحقق امتثاله عليه الصلاة والسلام لتلك الأوامر {بَلِّغْ}{لِتُبَيِّنَ}{ادْعُ} الجواب نجد ذلك في سنته المطهرة التي قيض الله لها من شاء من عبادة فصانوها وحفظوها من كل قول مختلق وكل معنى مزيف، ليصدق قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} والذكر المنزل المحفوظ هو القرآن في الدرجة الأولى وتدخل السنة في الدرجة الثانية عند التحقيق وإمعان النظر! !
وهذه السنة التي يتم بها البيان المطلوب هي أقواله وأفعاله وتقريراته.
" الآحاد والمتواتر "
في أثناء الفتوحات الإسلامية الواسعة دخلت على المسلمين اصطلاحات أجنبية بواسطة الكتب اليونانية التي ترجمت إلى اللغة العربية في عدة علوم ومن أخطرها علم المنطق والفلسفة، فدخلت تلكم البحوث والاصطلاحات في الإلهيات، فأفسدت على الناس جوانب خطيرة من عقيدتهم لأنها وجدت تشجيعاً رسمياً ودعماً قوياً من الخلفاء المعاصرين وفي مقدمتهم المأمون العباسي الذي تعرفون موقفه من كبار علماء المسلمين والأئمة البارزين كالإمام أحمد بن حنبل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في صدد حديثه عن موقف المأمون:" ما أظن الله غافلاً عما فعل المأمون بعقيدة المسلمين ".
ومن تلكم الاصطلاحات الغربية والدخيلة تقسيم الأحاديث النبوية إلى ظنية وقطعية كخطوة أولى في سحب ثقة المسلمين من أحاديث نبيهم.
فزعموا أن الآحاد من الأحاديث لا تقيد العلم ولا يجوز الاستدلال بها في باب العقيدة، وإنما يستدل في هذا الباب بالأدلة القطعية، وهي الأحاديث المتواترة أو الآيات القرآنية، وقد انطلى- وللأسف الشديد- على علماء الكلام هذا القول المزخرف لضعف بضاعتهم في علوم السنة وانشغالهم بالاصطلاحات الكلامية عن الكتاب والسنة،