الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على صفوة خلق الله سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه: أما بعد:
فإن الله قد هيّأ للغة العربية رجالاً، سبروا أغوارها العميقة، وفهموا أسرارها، واستخرجوا دررها، وتنافسوا في خدمتها، فملأت مؤلفاتهم الصحائف، وانتشرت في مشارق الأرض ومغاربها، وبين الحين والآخر نجد مؤلّفاً قشيباً، نفض عنه غبار النسيان، فبدأ بهيّ الطلعة، وليد اللحظة، تتطلع إليه الأنظار، وتهفو إليه الأفئدة، ومع هذا الدأب في إخراج كنوز التراث، والجهد المتواصل في تحقيقها، فما زالت المكتبات تخبّئ في زواياها نفائس، تضنّ بها على محبيها، والمتعطشين إلى ورود حياضها، على الرغم من سعيهم الحثيث إليها، وتنقيبهم الدؤوب عنها في كلّ مكان.
و"تلوين الخطاب" من نفائس المخطوطات، رسالة صغيرة الحجم، جليلة القدر، عثرت على مصورتين منها في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهي للعالم المشهور ابن كمال باشا رحمه الله تعالى.
وقد أغراني عنوانها، فهو عنوان جذاب، ينبئ عن اختيار أديب بارع، وعالم متمكن، وحين قلّبت صفحاتها، وجدتها رسالة قيّمة، حقيقة بأن يبذل فيها الجهد والوقت، وقد عثرت على مصوّرتين لها، فشرعت في نسخها، ومقابلة نُسختيها، وحين استعصى عليّ اختيار إحدى النسختين أصلاً عمدت إلى اختيار ما أراه صواباً منهما، وما ترجّح لديّ من خلال قرائن السياق، وأثبت في الهامش ما يخالفه.
وإذا تبيّن لي أنّ في النسختين خطأ ظاهراً، فإنَّني أجعل ما أراه صواباً في المتن وأضعه بين معكوفتين، وأذكر في الهامش ما هو موجود فيهما، وإن كان ما