وحذره من الدخول على ولديه موسى الهادي وهارون الرشيد، ولكن إبراهيم لم يعبأ بذلك التحذير فاتصل بهما وشرب معهما.. ولما علم الهادي بمخالفته أودعه السجن مكبلا طوال عشر سنوات وصب عليه ثلاثمائة سوط- ٥/ ١٦٠-.
ويستوقفنا من هذا الخبر اصرار إبراهيم على محاولة إفساد ولدي الخليفة مع علمه بأن ذلك يعرضه لأشد الأخطار، وهاهي ذي طلائعها من السياط والسجن ولبثه في القيود كل تلك السنين.. فلِمَ يُقدم على هذا الضرب الدامي من المغامرات؟!.
ويأتينا جواب الموصلي في ذلك الحوار المكشوف بينه وبن ولده إسحق، وكان ذلك يوم جاءه ذلك الزائر الأرستقراطي من هواة الغناء يريد أن يُسمعه ويستنصحه، فما إن باشر بعرض بضاعته حتى بادره الابن برأيه في صوته وغنائه، ونصح له بترك هذه الصنعة التي لم يؤهَّل لا.. ولم يرض الأب عن تصرف ولده فصاح به وأنبه والتفت إلى الفتى يطمئنه بأهليته للتقدم.. ولما خلا بابنه بعد انصراف الزائر كاشفه بما في نفسه وهو أن عليهم دفع هؤلاء الحمقى في طريق الفساد ليتخذوا منهم دريئة يواجهون بها كراهية الطبقة المحافظة التي تحتقر أمثالهم من أهل الفن، فلا تنفك تعيرهم بصناعتهم، فمن مصلحتهم إذن أن يطوِّحوا بأبنائهم إلى منحدراتهم- ٥/ ١٩٥-.
ولبث إبراهيم في سجن المهدي حتى خلافة الهادي، وهناك صدر الأمر بإطلاقه وقربه فأمده بالمال والخوَل، وبلغ ما ناله من هباته مائة وخمسين ألف دينار في يوم واحد.. حتى ليقول هذا المغني:"لوعاش الهادي لبنينا حيطان دورنا بالذهب والفضة". وعن عهد الرشيد يقول حماد بن إبراهيم:"أحصيت ما صار لوالدي من المال وثمن ما باع من الجواري فبلغ أربعة وعشرين ألفَ ألفِ درهم، وذلك غير راتبه وغلات ضياعه"-٥/١٦٣-.
ويقول الأصفهاني:"ن الرشيد إثر توليته الخلافة وفراغه من إحكام الأمور جلس للشرب، ودخل عليه المغنون فكان إبراهيم أولهم، وكانت جائزته في ذلك اليوم عشرين ألف درهم" ٥/ ٢٠٤-.
وفي الرقة وفي مجلس الشرب تذكر الرشيد أن لذته غير تامة بسبب غياب مغنيه المفضَّل إبراهيم الذي كان قد قذف به غضبه إلى غيابات السجن فما عتم أن أمر به