أخرج وفكت قيوده، وهنا دفع إليه بعود وأمره فغناه وشرب وطرب، وكانت المكافأة ضيعتين نادرتي المثال هما/ الهنيء والمريء/ ويقعان بإزاء الرقة ويسقيهما نهران، وكان ذلك في غمرة النشوة طبعاً، حتى إذا ثاب الوعي استرد الرشيد هبته وعوضه عنهما مأتى ألف درهم- ٥/ ١٦٦-.
وفي خرجة أخرى إلى الرقه افتقد الرشيد مغنيه فلم يجد له أثرا وبعد أيام أتاه بعذر أرضاه، ذلك أنه سمع بخبر خَمَّار استهواه فقصد إليه فأقام عنده ثلاثة أيام يكرع من خمره المعتقة، ويصنع إبراهيم في تلك القصة شعرا ويصوغ ذلك صوتا يغني به الرشيد بمصاحبة الزمار الخاص بر صوما، فأنعم عليه بمئة ألف درهم، وبعث بطلب الخَمار السرياني فجاءه بهدية من ذلك الشراب فوصله، ووهب له إبراهيم عشرة آلاف –٥/١٧٦.
ويسرق إبراهيم بن المهدي- أخو الرشيد- صوتا من إبراهيم الموصلي فيتقنه. وفي مجلس الشرب أمر الرشيد أخاه بأن يغنيه فغناه بذلك الصوت وهو يشرب فنفحه ثلاثمئة ألف درهم، وهنا اعترض الموصلي حالفا بالطلاق إن الصوت له ... فاعترف السارق، فنال الموصلي مكافأة أخرى مئة ألف، فكان محصول تلك الجلسة الإبليسية أربعمئة ألف درهم أي اثنين وعشرين ألف دينار – ٥/٢١٦
وذات ليلة هب الرشيد من نومه فركب حماره القزم وارتدى زينته ومضى على رأس أربعمئة خادم أبيض سوى الفراشين إلى منزل الموصلي فتلقاه هذا بالتكريم اللازم وقبَّل حافر حماره، فنزل وأكل ثم دعا بشراب حُمل معه. وبدأ (كورس) من جواري الموصلي فجعلن يضربن اثنتين اثنتين وتغني واحدة، حتى غنت صبية من حاشيته بيتين فطرب الخليفة واستعاد الصوت مرارا وشرب أرطالا. ثم جاءت المفاجأة إذ سأل الرشيد الصبية عن صانع ذلك اللحن فأمسكت ... وبعد لأْيٍ أسرت إليه بأن الصوت لأخته عُلَية ٢١٨/٥.
وهنا يُقحم الأصفهاني ذكر الخليفة المقتدر ليرينا إياه خلف ستارة مع جواريه، وبين يدي كل من المغنين قنينة فيها خمسة أرطال نبيذ وقدح ومغسل وكوز ماء.