للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صلى الله عليه وسلم: "منْ غشنا فليس منا" ١ وذلك لما في الغش من الضرر على المجتمع ومن أنواع الغش الذي كان شائعا "التصرية" فقد يترك صاحب الإبل أو الغنم أو البقر إبله أو غيرها اليوم واليومين بدون حلب حتى يكثر لبنها ويراها المشتري وقد امتلأ ضرعها باللبن فيظن أن هذا من عادتها فيزيد في ثمنها رغبة في لبنها فإذا حلبها وجدها على خلاف ما ظهر له منها فهنا جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا المشتري حلا، وخلاصا من هذا الغش الذي وقم فيه وهو أنه إذا حلبها مخير بين إمساكها أو ردها ومعها صاعا من تمر بدل ذلك اللبن الذي استهلكه من هذه الناقة أو البقرة أو الشاة وقد يقول قائل لماذا لا يكون اللبن للمشتري ويرد الشاة بدون عوض صاع تمر مقابل اللبن لأنه وجد فيها عيبا فكان الأولى أن ترد بدون مقابل لذلك اللبن المحلوب لوجود العيب والغش كسائر العيوب.

الجواب عن هذا وإن كنت لم أر من قال به من العلماء أنه قد يوجد بعض الخداعين والمكارين وضعاف النفوس يشتري الناقة أو الشاة أو البقرة وهو يريد لبنها الموجود في ضرعها حال البيع ولا رغبة له في اقتنائها فإذا استهلك ما في ضرعها من لبن أدعى بأن فيها عيبا وهو التصرية فيفوت على صاحبها لبنها ويسترد ما دفع فيها كاملا فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا القيد إن كان صادقا بأنها مصراة والتصرية عيب فليدفع بدل اللبن الذي استهلكه صاعا من طعام حتى يرتدع أهل الفسق والتلاعب عن فسقهم وتلاعبهم بالسلع وأهلها وهذا فصلا لهذه القضية حتى لا يكون هناك خلاف بين المتبايعين يؤدي إلى الخصام والنزل فحكم النبي الذي لا ينطق عن الهوى بحكمه العدل حتى لا يدع مجالا للأخذ والإعطاء والخصام والنزاع لأنه لو ترك ذلك للاجتهاد والأخذ والإعطاء لأدى ذلك إلى الخصام الطويل والنزاع المستمر لتفاوت ألبان اِلإبل والغنم والبقر فقد يقول البائع أن اللبن الذي حلب أكثر من صاعين وقد يقول المشتري بأنه أقل من نصف صاع فيحصل من أجل ذلك الشجار والدعاوي الزيادة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بهذا القضاء قطعا للخصام والشجار بقضاء لا يوجد أعدل منه ولا أحسن منه ولم يترك ذلك لقول فلان أو علان فالحمد لله على هذه النعمة نعمة الإسلام التي بينت وكفت وشفت هذا ولما كان حديث المصراة قد ورد بألفاظ مختلفة وفي بعضها زيادة على بعض وبني من أجل هذه الزيادة حكم جمعت كل نوع منها على حدة فقد ورد الحديث بلفظ التمر وبلفظ الطعام وبلفظ خيار ثلاثة أيام فجعلت مباحثه كالآتي:

١- مبحث ألفاظه بالتمر.

٢- مبحث ألفاظه بالطعام.

٣- مبحث مدة الخيار.


١ مسلم ١ /٩٩،ِ الترمذي مع تحفة الأحوذي. ٤ /٥٤٤وغيرهما.

<<  <   >  >>