للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقدامة الآمدي والقاضي الجرحاني وابن رشيق وعبد القاهر وابن شهيد وحازم القرطاجني وابن الأثير؛ فإنك لا تجد واحداً من هؤلاء إلا وهو يحس أن الشعر في أزمة، وانه يتقدم بآرائه لحلها، وليس من الطبيعي أن نقف عند جميع من ذكرناه من النقاد ومن لم نذكره منهم لتبيان ذلك النوع من الإحساس، وإنما يكفي أن نقف عند أمثلة معينة؛ وأول من نجده عميق الإحساس بالتغير ابن طباطبا. فهو قد شعر أن العادات والمثل العليا العربية التي كان يرتكز إليها الشعر القديم قد تغيرت، ودرست الأساطير التي كانت تغذي الشعر أيضاً. ولهذا أحس ابن طباطبا أن الشاعر المحدث قد وقع في مأزق، وفي محاولته ليخرجه من هذا المأزق، وجد نفسه يستعمل أدوات الناقد ومعداته، وقد تكون دواعي ذلك الإحساس خاطئة، كما قد تكون القواعد النقدية التي طلع بها ابن طباطبا مضللة لاتجاه الشعر، ولكن لا جدال في ابن طباطبا - رغم ذلك كله - ناقد فذ في موقفه النقدي، ولعله متأثر بالمعتزلة لأنه يلح على أن الصدق يجب أن يتوفر في الشعر، ويكاد يمحو الحد الفاصل بين الشعر والنثر، ولعله كان معتزلياً حقاً، فنحن نجهل حقيقة انتمائه المذهبي؛ إلا أن " عقلانيته " الخالصة تصله وصلاً وثيقاً بالمعتزلة.

وقد يقال إن قدامة بن جعفر لم يطلع على ما كتبه ابن طباطبا، ولكن موقف قدامة في مجمله رد على موقف ابن طباطبا؛ لقد اعتقد ابن طباطبا أن القاعدة الأخلاقية التي قام عليها الشعر القديم قد تغيرت وان تغير الشعر (المحدث) اصبح أمراً مختوماً، فجاء قدامة ليقول: لا؛ للفضيلة مقياس خلقي ثابت مهما تتغير الأزمنة والبيئات، ولهذا يظل الشعر شعراء ما دام يعبر عن ذلك المقياس الثابت للفضيلة؛ وهكذا رد قدامة الشعر إلى مبدأ " الثبوت " لا إلى مبدأ التغير، وكأنه يقول أن الحقائق لا تتغير. ولكن أين الأزمة التي أحس بها قدامة إن كان محور نقده هو الإيمان بالثبوت؟ لقد أحس بها على عكس ما تصورها ابن طباطبا، لقد أحس بانكسار في

<<  <   >  >>