وإذا كانت الروعة (أو أقصى درجات الجودة) من الأمور المحيرة للنقد فما أحرى أن يكون الأعجاز فوق مجاله بكثير. وحين عرض حازم لهذه المشكلة سماها " كمال الشعر "، فأقر بأن كل بحث في النقد يعز عليه استقصاء الأمر فيها، أي أن الناقد يجب أن يقف عند ما تمكنه أدواته من الحكم فيه. فأما الكمال فإنه شيء نظري ربما قصرت الأدوات المتوفرة عن التمرس به. وعند الحديث عن صورة الناقد في النقد العربي يجب ألا ننسى أن " الناقد الشاعر " كان هو النموذج الذي تنسب إليه الإجادة في النقد، ولا يشذ عن هذه القاعدة غلا التقدير الخاص الذي لقيه قدامة بن جعفر - ولم يكن شاعراً - ولكن تقديره إنما كان لوضوح منهجه ودقة مصطلحه، لا لخبرته النقدية بجمال الشعر.
وحين تحدد دور الناقد وميز بحقوق خاصة به ومجال لابد له من ان يعمل فيه ظهرت الحاجة إلى مصطلح نقدي. وكان ما أداه الخليل في مصطلح العروض دليلاً يهتدي به أوائل النقاد؛ فإن الخليل ربط في ذلك المصطلح ربطاً وثيقاً بين الشعر وبيت الشعر (البيت، الوتد، السبب، الإيطاء؟ الخ) . أي كانت خلاصة موقف الخليل أن الشعر ولد في البداوة ولهذا فأنه صورة للكيان البدوي، ومصطلحه يمكن ان يأخذ من ذلك الكيان - (وهذه الفكرة قد أطنب حازم من بعد في تحليلها والإفادة منها في فهم العلاقة بين الشعر وطبيعة البيت البدوي ومثال ما قاله: " وجعلوا اطراد الحركات فيها الذي يوجد للكلام بين استواء واعتدال بمنزلة أقطار البيوت التي تمتد في استواء. وجعلوا كل قطر به وذلك حيث يفصل بين بعضها وبعض بالسواكن. ركناً؟ وجعلوا الوضع الذي يبنى عليه منتهى شطر البيت وينقسم البيت عنده نصفين بمنزلة عمود البيت الموضوع وسطه. وجعلوا القافية بمنزلة تحصين منتهى الخباء والبيت في آخرهما