للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد رأينا فيما عرضناه من آراء هؤلاء المفكرين أن الناحية التطبيقية ضعيفة لديهم باستثناء قدامه بن جعفر؛ وقد كان أبو حيان أصلح بحكم موقفه ليؤدي دوراً في الربط بين الثقافتين، ولكن نظرته إلى الشعر كانت تركيبية، أي كان يدرس ثم يجمل دراسته في كلمات يسيرة.

الحاتمي والعلاقة بين الفلسفة والشعر

وقد حاول الحاتمي - وهو أيضاً ممن عرفهم أبو حيان - أن يقيم صلة بين الشعر والفلسفة لا بين الفلسفة وطرائق النقد، فدل بذلك على نوع جديد من ثقافة الناقد الأدبي في عصره، وإنما أشير في هذا الموطن مثلما تصلح أن تدرس بين الجهود النقدية التي دارت حول المتنبي، وأول ما يثور في النفس إزاء هذه الرسالة نسبتها إلى الحاتمي، لأمرين أولهما: إثبات صلة الحاتمي بالثقافة الفلسفية نفسها، والثاني روح الإنصاف التي تتجلى فيها بالنسبة لما قاله عن المتنبي في غيرها، فأما عن الأمر الأول فنحن نعلم أنه كانت للحاتمي صلة بأبي حيان التوحيدي وببعض المتفلسفين الذين كان يضمهم مجلس الوزير أبن سعدان، ولكن هذه الصلة مهجنة بالأنحاء على الحاتمي ووصفه بثقل الروح والمغالاة بالنفس " وكأنه لا علم إلا عنده ولا فائدة إلا هي معه " (١) ، وكأنه يقول كلما جاء بفائدة لغوية " تنح فقد جاء الأسد وغلب الطوفان وخرج الدجال وطلعت الشمس من المغرب ". وأبو حيان يعلل هذه الخيلاء فيه بغلبة حفظ اللفظ والتصريف عليه، وأنه بعد عن المعاني ومن بعد عنها قل نصيبه من العقل (٢) ، ولكن هذا الموقف لا ينفي صلته بالفكر الفلسفي حينئذ، وهاهو في رسالة غير الرسالة موضوع البحث، يقول للمتنبي: أن الناجم إنما نظم أحد المعاني من قول أرسططاليس


(١) الإمتاع ٣: ١٢٦.
(٢) نفسه: ١٢٧.

<<  <   >  >>