للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مسكويه وأثر أفلاطون

إن انشغال هؤلاء المفكرين بالإجابة عن أسئلة تتعلق بمستوى البلاغة - نظرياً وعملياً - وبالعلاقة والفروق بين النظم والنثر قد أبعدهم من التساؤل عن صلة الشعر بالأخلاق، ذلك لأنهم في أكثر تصوراتهم كانوا يفيئون إلى أرسطو أو إلى القياس على آرائه؛ وينفرد مسكويه من بينهم بأنه وقع - إلى جانب تأثره بأرسطو - تحت تأثير أفلاطون، فإذا هو يتبنى رأيه في ما يجره الشعر من ضرر في تربية الناشئين، وخاصة ذلك اللون من الشعر الفاحش المليء بالأكاذيب المشجع على اللذات كبعض شعر امرئ القيس والنابغة وأشباههما، يقول مسكويه بعد أن يثني على من أتفق له أن يرد على أدب الشريعة وكتب الأخلاق والحساب والهندسة ويتدرج إلى صدق القرن وصحة البرهان " ومن لم يتفق له ذلك في مبدأ نشوئه ثم أبتلي بأنه يربيه والدال على رواية الشعر الفاحش وقبول أكاذيبه واستحسان ما يوجد فيه من ذكر القبائح ونيل اللذات كما يوجد في شعر امرئ القيس والنابغة وأشباههما، ثم صار بعد ذلك إلى رؤساء يقربونه على روايتها وقول مثلها ويجزلون له العطية؟ واشتغل بها عن السعادة التي أهل لها فليعد جميع ذلك إلى شقاء لا نعيماً، وخسراناً لا ربحاً " (١) . ولكن مسكويه لا ينفي الشعر جملة وإنما يستبقي منه في منهاجه التربوي ما يتلاءم والصحة النفسية والجسمانية: " ثم يطالب بحفظ محاسن الأخبار والأشعار التي تجري مجرى ما تعوده بالأدب، حتى يتأكد عنده بروايتها وحفظها والمذاكرة بها جميع ما قدمناه، ويحذر النظر في الأشعار السخيفة وما فيها من ذكر العشق وأهله وما يوهمه أصحابها أنه ضرب من الظرف ورقة الطبع، فإن هذا الباب مفسدة للأحداث جداً " (٢) وسنصادف هذه النظرة إلى الشعر أو ما يشبهها كلما جرى الحديث عن العلاقة بينه وبين التربية.


(١) تهذيب الأخلاق: ٤٩ - ٥٠.
(٢) تهذيب الأخلاق: ٥٧.

<<  <   >  >>