تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها من الوجيب والقلق وتغشاها الخوف والفرق، تقشعر منه الجلود وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها؟ " (١) ؛ إلا ان الخطابي يلمح تنوع هذا الأثر وتردده بين إثارة البهجة وإثارة الخوف والفزع عن طريق الائتلاف بين الثلاثة: المعنى واللفظ والرباط الناظم، وليس هو تأثيراً مستمداً من التشبيه أو الاستعارة أو ما أشبه من نكت بلاغية.
الباقلاني والإعجاز
وتعد جهود الرماني والخطابي على هامش النقد الأدبي إذا هي قيست بجهد الباقلاني (- ٤٠٣) لأنه الوحيد الذي استطاع أن يفيد إفادة تفصيلية من جهود النقاد السابقين، وأن يطور أثناء بحثه لقضية الإعجاز بعض النواحي النقدية.
فبعد أن أطلع على الجاحظ وابن قتيبة وابن المعتز وقدامة والآمدي اتضح لديه أن فكرة الإعجاز لدى نقاد الأدب قد سارت في طريقين (وتعددت تعليلات الإعجاز من طرق أخرى غير الطريقة الأدبية) : إحداهما الطريق التي سار فيها ابن المعتز وقدامة وتبعهما فيها الرماني وهي تعليل الإعجاز عن طريق البديع، أو دراسة الصور البيانية في القرآن، وكان ابن قتيبة قد ألم بأطراف هذه الطريقة في كتابه " مشكل القرآن "، وأما الطريقة النقدية الثانية فهي مذهب القائلين بالنظم والتأليف وهي طريقة الجاحظ والآمدي وفيها سار الخطابي عندما تحدث عن الإعجاز، وكان الجاحظ قد ألف في فكرة الإعجاز كتاباً سماه " نظم القرآن ".