للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإن التشبيه معجز، وإن التجنيس معجز والمطابقة بنفسها معجزة؛ فأما الآية التي فيها ذكر التشبيه فإن ادعى إعجازها لألفاظها ونظمها وتأليفها فإني لا أدفع ذلك وأصححه ولكن لا ادعي إعجازها لموضع التشبيه، وصاحب المقالة التي حكيناها (يعني الرماني) أضاف ذلك إلى موضع التشبيه وما قرن به من الوجوه؟ " (١) .

تقصير الجاحظ في استقلال فكرة النظم، وإيثار موقف ابن قتيبة والآمدي

وأما الطريقة النقدية الثانية التي تتحدث عن حسن التأليف فقد رأى الباقلاني أن الجاحظ قصر في استغلالها: " وقد صنف الجاحظ في نظم القرآن كتاباً لم يزد فيه على ما قاله المتكلمون قبله ولم يكشف عما يلتبس في أكثر هذا المعنى " (٢) ، ولذلك فغن الباقلاني وجد الوسائل التي تسعفه على إثبات فكرة الإعجاز لدى ابن قتيبة والآمدي، وربما لدى الخطابي نفسه.

الانتقال من التفاوت في الشعر إلى القول بعدم التفاوت في القرآن

فإما ابن قتيبة فإنه كان قد شرح فكرة التفاوت بين قصائد الشاعر الواحد، كما شرح التفاوت بين الشعراء، فكانت هذه الفكرة مدخل الباقلاني إلى القول بان عدم التفاوت في نظم القرآن يرتفع به عن مستوى أي شعر أو نثر، لأنه لا بد من أن يخضع هذان عند البشر للتفاوت. " إن عجيب نظمه وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج وحكم وأحكام؟ ونجد كلام البليغ الكامل والشاعر المفلق والخطيب المصقع يختلف على حسب اختلاف هذه الأمور: فمن الشعراء من يجود في المدح دون الهجو، ومنهم من يبرز في الهجو دون المدح، ومنهم من يسبق في التقريظ دون التأبين؟.


(١) إعجاز القرآن: ٤١٨.
(٢) نفسه: ٧.

<<  <   >  >>