للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومتى تأملت شعر الشاعر البليغ رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال التي يتصرف فيها، فيأتي بالغاية في البراعة في معنى، فإذا جاء إلى غيره قصر عنه؟ ثم نجد من الشعراء من يجود في الرجز ولا يمكنه نظم القصيد أصلاً ومنهم من ينظم القصيد؟ ولا ينظم الرجز؟ الخ " (١) . وأعجبت الباقلاني فكرة التفاوت هذه فشقق منها ضروباً جديدة إذ رأى أيضاً إن كلام الفصحاء يتفاوت في الفصل والوصل والعلو والنزول والتقريب والتبعيد، وقد يحسن الشاعر النظم ويقصر في الخروج من معنى إلى غيره أو يختلف انتقاله أحياناً إذا اختلف الموضوع (٢) .

ناقد الآمدي والتفاوت

وهذا التفاوت نفسه منحك الناقد البارع لأنه لا يخفى عليه شيء من أمره، فهو يميز طرائق الشعراء بحيث لا تخفى عليه صنعة أبي نواس من سبك مسلم ولا نسج ابن الرومي من نسج البحتري، بل يستطيع ان يميز طرائق الكتاب، غلا حيث يغمض ذلك جداً في حال الشعر والنثر، وهذا الناقد هو الذي تقبل كلمته ولا يرد حكمه في النقد، - هو الناقد الذي وصفه الآمدي - وسبيل ذلك في إعجاز القرآن كالحال في الشعر والنثر، فإذا اشتبهت على الناشئ أو المتشاعر بلاغة القرآن فليس هو ممن يصار إلى رأيه فالبليغ يعرف علو شأن القرآن وعجيب نظمه وبديع تأليفه، ولا غنى لمن قصر في هذا عن التسليم للناقد العارف كذلك (٣) .


(١) إعجاز القرآن: ٥٤ - ٥٥.
(٢) نفسه.
(٣) أنظر إعجاز القرآن: ١٨٢ - ١٩٢.

<<  <   >  >>