للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عرض نماذج من نثر البلغاء وشعر الشعراء لأدراك التفاوت

ولإثبات ذلك - اعني تميز نظم القرآن - عرض الباقلاني نماذج من النثر فيها خطب للنبي والصحابة وغيرهم من مشهوري الخطباء دون أن يستثير أحكاماً على تلك الخطب وإنما اقتصر على أن يطلب إلى القارئ أن " يحس " مدى التفاوت بين ما يعد بليغاً من كلام البشر وبين نظم القرآن؛ وكان هذا العمل يقتضيه أن يتقدم خطوة أخرى فيعرض نماذج من الشعر ويبين ما فيها من عيوب ليدل على أن ما استأثر بتفضيل النقاد في الشعر لا يبلغ شيئاً بجانب بلاغة القرآن. وقد وقع اختياره على معلقة امرئ القيس وعلى قصيدة للبحتري، وأدته هذه اللفتة إلى القيام بدراسة كل من القصيدتين فكان من أول من تنبهوا إلى إجراء نقد تطبيقي على قصيدة كاملة، اعتماداً على التحليل المتدرج لأبياتها، وإزاء ذلك وقف عند سورة من سور القرآن فيبين ما فيها من وجوه البراعة المعجزة.

تفاوت قصيدة امرئ القيس نتيجة مفروضة ابتداء

وقد اتعب القاضي نفسه في تحليل القصيدتين ليصل إلى نتيجة كان قد فرضها ابتداء وهي تفاوت أبيات القصيدة الواحدة ولذلك انتهى في قصيدة امرئ القيس إلى وله: " اعلم أن هذه القصيدة قد ترددت بين أبيات سوقية مبتذلة وأبيات متوسطة وأبيات ضعيفة مرذولة وأبيات وحشية غامضة مستكرهة وأبيات معدودة بديعة؟ ولا سواء كلام ينحت من الصخر تارة ويذوب تارة ويتلون تلون الحرباء ويختلف اختلاف الأهواء ويكثر في تصرفه اضطرابه وتتقاذف به أسبابه، وبين قول يجري في سبكه على نظام وفي رصفه على منهاج، وفي وضعه على حد، وفي صفائه على باب، وفي بهجته ورونقه على طريق " (١) .


(١) الإعجاز: ٢٧٣، ٢٧٧.

<<  <   >  >>