وفي سبيل الوصول إلى هذه النتيجة الواضحة منذ استغل الباقلاني طرائق نقدية من تحليل ومقارنة وغير ذلك، وتمحل تمحلاً كثيراً وركب ضروباً من التعسف، دون أن يضطره إلى ذلك شيء لإثبات بديهة من بدائه القدرة الإنسانية في فن الشعر. وإليك أمثلة من تعليقاته ونقده:
١ - قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل أنت تعلم انه ليس في البيتين شيء قد سبق في ميدانه شاعراً، ولا تقدم به صانعاً، وفي لفظه ومعناه خلل، فأول ذلك: انه استوقف من يبكي لذكر الحبيب، وذكراه لا تقتضي بكاء الخلي وإنما يصح طلب الإسعاد في مثل هذا على أن يبكي لبكائه ويرق لصديقه في شدة برحائه فأما أن يبكي على حبيب صديقه وعشيق رفيقه فأمر محال؟ وفسد المعنى من وجه آخر: لأنه من السخف أن لا يغار على حبيبه وأن يدعو غيره إلى التغازل عليه والتواجد معه فيه. ثم في البيتين ما لا يفيد من ذكر هذه المواضع وتسمية هذه الأماكن؟. وقوله " لما نسجتها " كان ينبغي ان يقول: " لما نسجها " ولكنه تعسف فجعل (ما " في تأويل تأنيث؟ وقوله " لم يعف رسمها " كان الأولى أن يقول: " لم يعف رسمه " لأنه ذكر المنزل؟ ولو سلم من هذا كله ومما نكره ذكره كراهية التطويل، لم نشك في أن شعر أهل زماننا لا يقصر عن البيتين بل يزيد عليهما ويفضلهما.
٢ - كدأبك من أم الحويرث قبلها ... وجارتها أم الرباب بمأسل
إذا قامتا تضوع المسك منهما ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل أنت لا تشك بان البيت الأول قليل الفائدة ليس له مع ذلك بهجة، فقد يكون الكلام مصنوع اللفظ وإن كان منزوع المعنى، وأما البيت الثاني فوجه