للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الشاعر متفاوتاً بحسب تلك الحال، وهو من القوانين الخاطئة التي لا تلبث أن تندرس كلما اتسع مجال الفهم النفسي لدى النقاد، ولعل هذا هو الذي دعا بعض النقاد إلى أن يقول: عن كثيراً من شعر امرئ القيس لصعاليك كانوا معه (١) ، يعتذر بذلك عن التفاوت النفسي، بالإضافة إلى التفاوت في مستوى الجودة الشعرية (٢) .

قانون الشمول الخاطئ

وإذا كان القانون السابق يدل على مقدار التصور الخاطئ والإدراك الساذج فإن بعض المقاييس الأخرى يدل على شمول في النظرة ويعتريه الخطأ من ذلك الشمول نفسه؛ ومثاله ما رواه أبو عبيدة عن أبي الخطاب الأخفش، قال أبو الخطاب وكان " اعلم الناس بالشعر وانقدهم له، واحسن الرواة ديناً وثقة " -: " لم يهج جرير الفرزدق إلا بثلاثة أشياء يكررها في شعره، كلها كذب، منها جعثن والزبير والقين؟. " (٣) فهذا الحكم قائم على تمثل واضح لشعر جرير الذي يكرر الهجاء بهذه الأشياء، ولكنه حكم ينظر إلى الموضوع نفسه لا إلى الطريقة، ويحتكم إلى قاعدة " الكذب "؟ وهي قاعدة أخلاقية.

تميز الأصمعي بين الرواة

ومن الطبيعي أن يتفاوت هؤلاء العلماء في طبيعة إسهامهم النقدي، ويقف الأصمعي (- ٢١٠) بينهم مثلاً متميزاً، فهو وإن شاركهم في كثير من النظرات الساذجة من مثل الالتفات نحو أغزل بيت وأهجى بيت وما أشبه ذلك من أحكام، قد هداه بصره النافذ إلى مواقف نقدية واضحة، ونكتفي هنا بثلاثة


(١) الموشح: ٣٧.
(٢) التفاوت في مستوى الجودة الشعرية يدل عليه قول الأصمعي " طفيل الغنوي في بعض شعره أشعر من امرئ القيس ".
(٣) الموشح: ١٩٣.

<<  <   >  >>