للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مواقف منها:

(١) الفصل بين الشعر والأخلاق: من العجيب أن الأصمعي الذي كان يتحرج تديناً من رواية أي شعر فيه ذكر للأنواء (١) ، يقيم حداً فاصلاً بين الشعر والدين، ويراهما عالمين منفصلين لا يتصل أحدهما بالآخر، وفي اتصالهما حيف على الشعر نفسه، ومن ذم نسمعه يقول في لبيد راوياً هذا القول عن أستاذه أبي عمرو بن العلاء: " ما أحد أحب إلي شعراً من لبيد بن ربيعة لذكره الله عز وجل ولإسلامه ولذكره الدين والخير، ولكن شعره رحى بزر "، يريد انه ذو جعجعة وطنين، وليس وراءه كبير شيء؛ ويسند الأصمعي رأي أستاذه بقوله: " شعر لبيد كأنه طيلسان طبري، يعني انه جيد الصنعة وليست له حلاوة " (٢) . وأوضح من هذا في تبيان موقفه من العلاقة بين الشعر والدين، قوله الذي لا يزال يقتبس دائماً في هذا المعرض: " طريق العر إذا أدخلته في باب الخير لان، ألا ترى أن حسان بن ثابت كان علا في الجاهلية والإسلام فلما دخل شعره في باب الخير - من مراثي النبي (ص) وحمزة وجعفر رضوان الله عليهما وغيرهم - لان شعره. وطريق الشعر هو طريق شعر الفحول مثل امرئ القيس وزهير والنابغة، من صفات الديار والرحل والهجاء والمديح والتشبيب بالنساء وصفة الحمر والخيل والحروب والافتخار، فإذا أدخلته في باب الخير لأن " (٣) . ففي هذا النص القيم الغريب نجد الأصمعي قد قصر مجال الشعر على الشئون الدنيوية التي كانت سائدة في الجاهلية، وحدد موضوعاته التي تصلح له


(١) وذلك أن الأصمعي كان لا ينشد ولا يفسر ما كان فيه ذكر الأنواء لقول رسول الله (ص) : إذا ذكرت النجوم فأمسكوا؛ وكان لا يفسر ولا ينشد شعراً فيه هجاء، وكان لا يفسر شعراً يوافق تفسيره شيئاً من القرآن (الكامل ٣: ٣٦) .
(٢) الموشح: ١٠٠.
(٣) الموشح: ٨٥، ٩٠ وانظر آمالي المرتضى ١: ٢٦٩.

<<  <   >  >>