للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويصلح لها، وجعل صفة " اللين " عالقة بالموضوعات المتصلة بالخير والدين. فلدينا هنا اصطلاحان غامضان بعض الغموض هما " اللين " و " الخير "؛ فأما " اللين " فقد وضع الأصمعي إزاءه " طريقة الفحول " ثم لم يتجاوز حدود الموضوع، ولكن كلمة " اللين " سترد عند بعض النقاد مرادفة لضعف الأسر، يقول ابن سلام: " وأشعار قريش أشعار فيها لين فتشكل بعض الأشكال " (١) ، ولا باس ان نفهمها على النحو نفسه عند الأصمعي. وأما كلمة " الخير " فليس يقابلها لفظة " الشر " وإن روي قول الأصمعي من بعد " الشعر نكد بابه الشر "، وظني أن هذه الرواية غير دقيقة، وإنها ترجمة متأخرة بعض الشيء لمفهوم قول الأصمعي، وإنما الخير عند الأصمعي يعني " طلب الثواب الأخروي " أو ما يتصل اتصالاً وثيقاً بالناحية الدينية ويقابله حينئذ " دنيوية " الشعر واتصاله بالصراع الإنساني في هذه الحياة، فالليونة والانحياز إلى الخير مضادان للفحولة، وهذا هو المبدأ الثاني الذي نميز به الأصمعي:

(٢) الفحولة: يعود بنا هذا المصطلح إلى طريقة الخليل بن أحمد في انتخاب الألفاظ الدالة على الشعر من طبيعة الحياة البدوية، فالفحل جملاً كان أو فرساً، يتميز بما يناقض صفة " اللين " التي يكرهها الأصمعي في الشاعر، وبالفحولة يتفوق على ما عداه، فقد سال أبو حاتم الأصمعي عن معنى الفحل فقال له: " له مزية على غيره كمزية الفحل على الحقاق " (٢) ؛ لهذا انقسم الشعراء لدى الأصمعي في فئتين: فحول وغير فحول: قال أبو حاتم: " سالت الأصمعي عن الأعشى - أعشى بني قيس بن ثعلبة - أفحل هو؟ قال: لا ليس بفحل " (٣) ؛ وقال: سالت الأصمعي عن مهلهل، قال:


(١) الطبقات: ٢٠٤.
(٢) الموشح: ٦٣، والحقاق: جمع حق، وهو الذي استكمل ثلاث سنوات.
(٣) المصدر نفسه.

<<  <   >  >>