للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

واقتبس الثاني على حاله، وتصرف باستخراج حكم جديد مستمد من القولة الثالثة، وجمعها معاً في نطاق واحد.

ولكن ابن رشيق رغم ذلك ناقد قدير، لم تضع شخصيته بين آراء عبد الكريم والجمحي والمبرد والجاحظ وابن وكيع والرماني ودعبل والجرجاني والمرزوقي وابن قتيبة وقدامة والحمار السرقسطي وكثير غيرهم - سواء صرح بأسمائهم أو لم يصرح - ولعل ابن رشيق أبرز مثل على الناقد الذي يملك الإعجاب عن طريق شخصيته لا عن طريق الجدة في الرأي، ولو قارنا بينه وبين العسكري صاحب الصناعتين وهما متشابهان في بناء مؤلفيهما من كتب الآخرين وآرائهم لوجدنا العسكري مصنفاً وحسب، باهت الشخصية لا سبيل إلى عده ناقداً، بينا يقف ابن رشيق بحيويته وقفة بارزة بين نقاد القرن الخامس، هذا على الرغم من أن كتاب الصناعتين أدق تبويباً من كتاب العمدة، غير أن العمدة يمتاز بين كتب النقد الأدبي بأنه احتوى ما يريده المتأدب من حديث عن الشعر ومن حديث في الشعر نفسه، فكل فصل فيه مستغن بنفسه حسن الإيراد والاقتصاص للخبر والرأي معاً، ولهذا فيما اعتقد نال الكتاب حظوة واسعة بعد القرن الخامس، وأصبح مثالاً يحتذيه من يكتبون في علم الشعر، ومنهلاً لطلاب النقد الأدبي يدرسه الدراسون ويلخصه الملخصون، حتى نال ثناء عريضاً من ابن خلدون؛ لان المثقف الذي كان يحرص على شيء من المعرفة النقدية لم يعد إذا قراه بحاجة إلى ان يقرأ قدامة والآمدي والحاتمي والجرجاني، إذ استخرج ابن رشيق خير ما عندهم وأودعه كتابه، وهؤلاء هم أئمة النقد، فما ظنك إذا وجد فيه القارئ خلاصة لخير ما عند غيرهم أيضاً.

<<  <   >  >>