للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في تشبيه حنك الغراب بالجلمين؟ الخ " ثم عد هذه التشبيهات العقم؛ فللأصمعي الفضل في توسيع نطاق هذا الموضوع الذي حام حوله العلماء قبله.

قصور النقد عن متابعة التغير في الثقافة والشعر

من ثم يمكننا أن نقول إن النقد في مطلع القرن الثالث كان قاصراً عن الوفاء بحاجة دارسي الأدب. لاتساع الآفاق الجديدة، وضيق أفق النقد. فقد ظل النقد حيث هو، بينا كان الشعر يشهد تغيراً كبيراً على يدي أبي نواس وأبي العتاهية وأبي تمام والعباس بن الأحنف وإضرابهم ممن سموا المحدثين، ولم يعد مقياس " القوة " صالحاً لأمثال العباس وأبي العتاهية، كما ان الحكم على شعر أبي تمام المسرف في " البديع " اصبح يتطلب مقياساً جديداً. ونشأت طبقة جديدة ن الكتاب عربية اللغة غير أنها ليست عربية الذوق، لأنها تعتمد في ثافتها على كليلة ودمنة وعهد أدرشير وكتاب مزدك (١) وما شاكل ذلك. وهي تمثل عصب الطبقة المثقفة. وتسللت الثقافة المنطقية الفلسفية إلى نفوس المثقفين - في بطئ - وبدا صراع بين المبنى الشعري والمبنى المنطقي. وكاد ان يتم الانفصال ثمة بين الشعر والنثر، وكثر التساؤل عن المقياس الصالح للمبنى النثري. وكان الجاحظ يمثل هذا الانفصال على نحو عملي، كما كان أمثال أبي تمام ثم ابن الرومي من بعده يحاولون عملياً الجمع بينهما. وزادت حركة الاعتزال من تقديس العقل واستتبع ذلك اللحاح على الوضوح في الفكرة، وكان النثر ارحب صدراً من الشعر لتقبل هذا المنحى. ولكن كان لابد لهذا الاتجاه من أن يتساءل عن منزلة المعنى بالنسبة إلى الشكل شعراً كان الموضوع أم نثرا، لصلة المعنى بالاتجاه العقلي.


(١) رسالة الجاحظ في الكتاب، انظر رسائل الجاحظ ٢: ١٩١ - ١٩٢.

<<  <   >  >>