للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المنطقة الشرقية؛ فعندئذ استأنف قول الشعر؛ غير انه حريص على أن يؤكد انه ظل يقوله متعففاً به عن التكسب، كما كان شأنه في عصر الشباب: " فعطفت هنالك على نظم القوافي عناني؟. مطنعاً لا منتجعاً ومستميلاً لا مستنيلاً، اكتفاء بما في يدي من عطايا منان، وعوارف جواد وهاب " (١) .

الشعر مركب ذو طول ولابد أن يعتوره لذلك القوة والضعف

وتبدو قيمة المقدمة التي كتبها ابن خفاجة على ديوانه في أنه تحدث فيها عن جوانب من تجربته الفنية، فهو يعتقد ان الشعر لا يمكن ان يجيء كله مستوي الجودة وغنما ينقسم إلى طرفين ووسط، وفي الطرف الثاني تكل الأذهان وتقل المادة من لفظ وقافية (٢) ؛ ثم إن الشعر يلحق بالأشياء المركبة لأنه يتألف من معنى ولفظ ووزن وروي؛ وكل تركيب فلابد أن يصيب بعض أجزائه اضطراب إذ قد يتعسر إيراد شيء من هذه الأربعة يكون انسجاماً كاملاً مطلقاً، ولذلك تجد التفاوت في الأبيات فبعضها منظومة أي متسقة وبعضها منثورة أي ضعيفة الإيقاع (٣) .

التخييل يساوي الكذب وليس عيباً. مطلب الجوالة عسير لأنه لا يصلح لكل فنون الشعر

وابن خفاجة في ضيق من النقاد الذين يؤاخذون الشاعر بكل ما يقوله، ويحاسبونه من خلال القول على فعله، وهؤلاء في رأيه يغفلون عن طبيعة الشعر الذي يقصد فيه التخييل وليس القصد فيه الصدق ولا يعاب فيه الكذب (٤) . وهو يقسم النقاد إلى فئات: فمنهم من ينتقد نقداً صحيحاً معتمداً على الفهم ومنهم من يحكم خبثه ومنهم من يقصر به ضعف بصيرته. وهذان الأخيران (الخبثاء وضعفاء البصيرة) قد حجروا واسعاً، واقتصروا في مقاييسهم النقدية على مقياس


(١) ديوان ابن خفاجة: ٨.
(٢) ديوانه: ٩.
(٣) نفسه. (وربما عني ابن خفاجة أن الشاعر قد يجيء بأبيات ثم يشفعها بقطعة منثورة في نطاق واحد) .
(٤) ديوانه: ١٠ - ١١.

<<  <   >  >>