للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويبدو من هذا الموقف ان أبن بسام الناقد النافذ النظر، وابن بسام المتدين في صراع لا يجد له صاحبه حلاً.

الصدق الواقعي مطلب أخلاقي

ابن بسام إذن - رغم سمو ذوقه الأدبي - ناقد محافظ، عن صح التعبير، ولهذه الروح يرفض ان يضمن مؤلفه أي موشح، خضوعاً لما جرت به العادة في المؤلفات المخلدات، وغن كانت الموشحات مطربة إلى حد " أن تشق على سماعها مصونات الجيوب بل القلوب " (١) ؛ وتمشياً مع هذه الروح ومع حقيقة أندلسية واقعية يمقت الشعر حين يبتعد عن الصدق الواقعي، فإذا سمع أبا بكر الداني يقول لممدوحه ما معناه: إنك تدفع الجزية للروم لأنك تعطيهم نقمة في لبوس نعمة، تعود ضرراً عليهم (٢) ثارت ثائرته لهذه الدعوى الفاجرة، وصرخ احتجاجاً على هذا الزور، ولم يعد لديه حلم الناقد الرحب الصدر: " وهذا مدح غرور وشاهد زور، وملق معتف سائل، وخديعة طالب نائل، وهيهات! بل حلت القاهرة بعد بجماعتهم؟ الخ " (٣) وقد عرض ابن بسام هنا لقضية شائكه، طالما تمرس النقد العربي حولها بمثل قول النقاد: عن الشعر يحسن الباطل ويلبسه ثوب الحق ثم لا يضيره ذلك شيئاً؛ وهذا هو ابن بسام يجد الباطل مزوقاً بتسويغات كاذبة فلا تطاوعه نفسه على السكوت؛ عن الناقد - وإن يكن محافظاً في روحه - يقاس بالإخلاص، وقد كان ابن بسام مخلصاً للحقيقة في وطنه، دون ان يستطيع التمويه الشعري مخادعة نظرة عما يحس. عن هذه الوقفة وحدها من ابن بسام تصحيح لكثير من الأحكام النقدية الخاطئة التي لم تستطع أن تخفي الزيف تحت شعارات " التخييل ".


(١) الذخيرة١/ ٢: ٢.
(٢)
في نصرة الدين لا أعدمت نصرته ... تلقى النصارى بما تلقى فتنخدع
تنيلها نعماً في طيها نقم ... سيستضر بها من كان ينتفع (٣) الذخيرة (القسم الثاني - المخطوط) : ١٠٢.

<<  <   >  >>