للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثورة على الاستعارات المبتدعة

ومما يؤكد هذه المحافظة ومبدأ الالتزام بالذوق العربي العام الذي يمثله عمود الشعر ثورته على الاستعارات البعيدة لدى بعض شعراء عصره:

" كقول ابن الطلاء: بقراط حسنك لا يرثي على عللي " وقول ابن المصيصي:

إذا كانت جفانك من لجين ... فلا شك فيها ثريد وقد قدح أهل النقد في المتنبي بخروجه في الاستعارة إلى حيز البعد، كقوله:

مسرة في قلوب الطيب مفرقها ... وحسرة في قلوب البيض واليلب " (١) حب المألوف من الطريقة الشعرية

وهو ناقد لا ينفك يذكرنا بحيه للمألوف الذي جرت به العادة، ولهذا فإنه يكره الجمع بين التعزية والمدح الكثير للمعزى، " وليس من عادة أئمة الشعراء المقتدى بها الإكثار من مدح المعزي في تأبين حميمه المتوفي، وإنما يلمون به إلماماً بعد التوفر على ندبة ميته والإشباع في ذكر ما فقد من خصاله ثم الكر على تسكين جأشه وحضه على التعزي اتقاء لربه - هذه طريقة قدماء الشعراء " (٢) .

مؤرخ أدبي ناقد في قراءة الشعر وله منهج نقدي

ويستشف من تعليقاته على بعض ما يورده من أشعار انه معجب بالاستعارة الموفقة والعبارة الرشيقة، والإتيان بالتشبيه دون أداة (٣) وهو ماهر في استكشاف الأخذ والسرقة، يدل بذلك على سعة اطلاع، ولهذا فهو محب للتوليد في المعاني (٤) ، وله تعليقات على بعض الأشعار تدل على نفاذ بصر بالنقد، كقوله في التعليق على هذين البيتين:


(١) الذخيرة ١/ ٢: ٣٣٥ - ٣٣٦.
(٢) الذخيرة ١/ ٢: ٣١٨.
(٣) المصدر السابق: ٣٢٠ - ٣٢١.
(٤) الذخيرة (القسم الثاني) : ٧٦؛ هذا وقد نشر الأستاذ ابن عاشور كتاباً في سرقات أبي الطيب من تأليف ابن بسام النحوي، واعتبر ابن بسام صاحب الذخيرة مؤلفاً له، ولكن ليس في الكتاب أية قرينة تدل على انه من تأليفه.

<<  <   >  >>