عليك أبا عبد الله خلعتها ... لها البدر طوق والنجوم غلائل
وما هي إلا الدهر في طول عمرها ... وغن لم يكن فيها الضحى والأصائل " فيا لهذا البيت ما احسن مذهبه، وأبدع مثواه ومنقلبه، إلا انه بالدهر مسلوب الضحى والأصائل، فلم يزد على ان جلاه في زي عاطل، وأبرزه في مسوح شوهاء ثاكل، وليت شعري أي شيء أبقى للدهر المظلوم، بعد ضحاه الناصعة الأديم، وآصاله المعتلة النسيم، هل بقي إلا ليله الأسود الجلباب، وهجيره السائل اللعاب، ولو قال لممدوحه وتلك العلى فيها الضحى والاصائل، لأبرز قصيدته رفاقه البرود، شفافة العقود "(١) . إننا قد نجده تعليقات مثل هذه لدى المتعقبين للشعر بوحي من روح التدقيق، ولكن ابن بسام رغم ذلك يبدو من خير مؤرخي الأدب الذين كان لهم منهج نقدي واضح المعالم، بحيث لا يساميه في هذه المنزلة مرخون كثيرون، إلا أنه كان ابن عصره وقطره: يكره الفلسفة كما كرهتها الاندلس، ويعتقد بان العنصر الأخلاقي ابد ان يكون أساساً في كل نشاط إنساني حتى في الفنون، لان وجوده من علائم التماسك في البيئة الأندلسية، وهو يعيش في عصر يقبل على الزخرف بقدر - في شتى مجالات الحياة - ولذلك نراه يحب البديع في الشعر.