للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ابن قزمان وقواعد الزجل أول اعتراف نقدي بشعر عامي

وقد استعار ابن قزمان (- ٥٥٥) إمام الزجالين بالأندلس بعض القواعد النقدية التي أجريت على القصيد، فطبقها على الزجل، إما بطريق المقايسة أو القلب: فقد كان يشعر - كما شعر ابن خفاجة - بأن مقياس الجزالة لا يصلح لبعض أنواع الشعر، وهو من ثم أقل صلاحية للزجل؛ وكان من قبله من الزجالين - أو بعضهم في الأقل - ينتحي منحى القوة والمتانة، ومن أشهرهم في ذلك ابن راشد الزجال؛ ولذلك تهكم به بقوله:

زجلك يا ابن راشد قوي متين ... وإن كان هُ للقوة فالحمالين (يعني إن كان مرجع الأمور إلى القوة، فإن الحمالين أقوياء، ولكن هل هذه القوة تعلي من شأنهم؟) ؛ ولذلك دعا ابن قزمان إلى اعتماد الزجل على " انسياب الطبع وسهولة الألفاظ " أي إلى اكتساء الزجل عامة بالرقة. وعاب متقدمي الزجالين بأنهم يأتون بمعان باردة وأغراض شاردة: وأثنى من بينهم على ابن نمارة " فإنه نهج الطريق، وطرق فأحسن التطريق، وجاء بالمعنى المضيء والغرض الشريق: طبع سيال، ومعان لا يصحبه بها جهل الجهال، ويتصرف بأقسامه وقافيه تصرف البازي بخوافيه، ويتخلص من التغزل إلى المديح، بغرض سهل وكلام مليح " (١) . وأكثر ما أعجبه في ابن نمارة طريقته في حكاية التصوير بألفاظ صوتية كقوله " طاق في خدي وبف في القنديل " فلفظة " طاق " صوت القبلة، ولفظة " بف " صوت النفخ لإطفاء الشعلة، وكان ابن قزمان يعني أن هذا اللون من التعبير يجعل الزجل أدق في نقل الحياة الواقعية الشعبية؛ ولكنه أثنى عليه أيضاً لاستخدامه الصور المجسمة من مثل " وجا الليل وامتد مثل القتيل "؛ فدل بذلك على امتيازه في قوة التخيل.


(١) اللوحة الثانية من مقدمة الديوان.

<<  <   >  >>