للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولما رأى ابن قزمان أن اللحن عيب مستبشع في القصيد عكس القاعدة، فذهب إلى ان الأعراب يشين الزجل. ولذلك افتخر بأنه جعل ديوانه خالياً من الأعراب: " وعريته من الأعراب؟ تجريد السيف عن القراب " وقال: " والأعراب هو أقبح ما يكون في الزجل وأثقل من إقبال الأجل " (١) وقال أيضاً: " ليس اللحن في الكلام المعرب المقيد أو الموضح بأقبح من الأعراب في الزجل " (٢) . وعلى الجملة نستطيع ان نقول إن إحكام ابن قزمان النقدية مستمدة من طريقته، فإذا اعتبرنا أن ابن قزمان أصبح إمام الزجالين في المشرق والمغرب من بعد عرفنا أن أحكامه هذه أصبحت قاعدة عامة، وهو يعتقد لنه بطريقته قد حقق للزجل أن يكون " قريباً بعيداً وبلدياً غريباً، وصعباً هيناً وغامضاً بينا، إذا سمع السامع سباطة أقسامه ومصارعه، همت فترة ان تكون بمشارعه " فإذا حاول أحد أن يحاكيه وجده لا يدرك ولا يلحق وهذه ترجمة لما سماه النقاد في الشعر باسم " السهل الممتنع ".

ابن عبد الغفور ونشاطه النقدي

ويمثل أبو القاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي وعياً نقدياً بارزاً بين أقرانه لتوفره على التأليف في النقد، فمن كتبه المتصلة بهذا الموضوع كتاب " ثمرة الأدب " وكتاب (الانتصار لأبي الطيب " ورسالته في " إحكام صنعة الكلام "، وهي التي وصلتنا من مؤلفاته؛ وتدل جهود ابن عبد الغفور على أن أبا الطيب وأبا العلاء قد أصبحا مناط أحلام المنادين بمبدأ الجزالة، وان أبا العلاء في مؤلفاته النثرية " لا يضاهي فيها ولا يجازى، ولا يعارض في واحد منها ولا يباري " (٣) ، وأن النقاد قد حكموا بأنه لم يكن في صنعة النظم والنثر مثله لا قبله ولا بعده، إلا ما كان من أبي الطيب في الشعر وحده " (٤)


(١) اللوحة الأولى.
(٢) اللوحة الثانية.
(٣) إحكام صنعة الكلام: ٢٦.
(٤) المصدر السابق: ١٣١.

<<  <   >  >>