للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قاله ابن خلدون في الفصل بين الشعر والنثر أنه بعني الكتابة الديوانية على وجه الخصوص دون سائر الفنون النثرية.

البواعث على قول الشعر

فإذا جاء إلى عد البواعث الحافزة على قول الشعر أعاد ما ذكره ابن قتيبة وما أجمله ابن رشيق في العمدة؛ والحق أن ابن خلدون يكمل النظرة الأندلسية نحو هذا الكتاب، فقد أصبح معتمد النقد لدى أهل الأندلس ولذلك يوليه ثناء كثيراً حتى ليقول " وهو الكتاب الذي انفرد بهذه الصناعة واعطاء حقها، ولم يكتب فيها أحد قبله ولا بعده " (١) ؛ ولو تأمل ابن خلدون فيما قرره من قبل لوجد أن البواعث الخارجية كمناظر المياه والأزهار وأوقات البكر عند الهبوب من النوم ليست إلا عاملاً ثانوياً في الحفز على الشعر، إذ الحافز الأكبر هو إدارة القالب في النفس مراراً حتى تأنس إليه ترتاح، ثم تجيء العبارات لتملأ ذلك القلب، فإذا لم يحضر القالب على نحو حافز فإن جميع الدوافع الخارجية تصبح غير ذات قيمة.

كذلك فإن ابن خلدون لا يخرج عن الوصايا النقدية المعتمدة في تجنب الكلام المولد أو ارتكاب الضرورات، وينهى عن التعقيد وازدحام المعاني في البيت الواحد، ويوصي بمجانبة الوحشي والسوقي المبتذل - من لفظ ومعنى، ويخلص إلى تعليل الضعف العام فيشعر الزهد والامداح النبوية بقوله: عن السر في ذلك " لان معانيها متداولة بين الجمهور فتصير بذلك مبتذلة " (٢) .


(١) المقدمة: ١٢٩٧.
(٢) المقدمة: ١٢٩٨.

<<  <   >  >>