للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شعراء مفلقون. إذن ما التفسير؟ هل نقول إن الجاحظ نفسه قد غلبته الحيرة على الاهتداء إلى تعليل أو انه لابد من اجتماع العناصر الثلاثة التي وضعها وهي الغريزة والبلد والعرق؟ إننا إذا قلنا بالرأي الثاني سنظل نتساءل: ما الخصائص التي تميز البلد؟ وما هي العناصر التي تميز العرق؟ هذا إلى ما في اصطلاح " الغريزة " من غموض. وإلى أن تمثيله بقبيلة الحارث بن كعب يهدم تصوره لان تكون الغريزة خاصية مستمرة في " العرق " الواحد.

غير أن الجاحظ تناول نظرية العرق بشيء من التطوير والتفسير، ولم يتقيد بالبيئة كثيراً، حين ذهب إلى ان العرق العربي (سواء أكان المرء عربياً في الحاضرة أو أعرابياً في البادية) أشعر من العرق المولد الذي يعيش في مدينة أو قرية - هذا حكم على عامة الفريقين، وهو أيضاً يسمح بالاستثناء (١) . ثم يجمل الفرق بين الأعرابي والمولد، بأن المولد قد يجيء بأبيات تلحق بشعر أهل البدو إذا استعد " بنشاطه وجمع باله " ولكنه إذا استرسل في القول " انحلت قوته واضطرب كلامه " (٢) . ولم يفسر الجاحظ لم يكون ذلك وغنما هو يرى ظاهرة تستحق التسجيل، وكأنه يفترض أن قوة " الغريزة " هي التي تتفاوت بين العرقين، فقوة " الغريزة " لدى البدوي أو العربي عامة تمده بمقدار قوتها وغزارتها، فأما " غريزة " المولد فإنها قصيرة الرشاء، تنفد طاقتها بسرعة.


(١) والقضية التي لا احتشم منها ولا أهاب الخصومة فيها أن عامة العرب والأعراب والبدو والحضر من سائر العرب أشعر من (عامة) شعراء الأمصار والرقى من المولدة والنابتة، وليس ذلك بواجب لهم في كل ما قالوه (الحيوان ٣: ١٣٠) .
(٢) المصدر نفسه: ١٣٢.

<<  <   >  >>