للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مشكلة اللفظ والمعنى

ولهذه القضية ركنان (اللفظ - المعنى) ومميزان (الجودة - الرداءة) ولا بأس أن يتجه أبن قتيبة في هذا نحو المنطق - وإن يكرهه علماً - فيجد أن الشعر أربعة أضرب، لا تسمح العلاقة المنطقية - في نظره - بأكثر منها: (أ) لفظ جيد ومعنى جيد (ب) لفظ جيد ومعنى رديء (ج) لفظ رديء ومعنى جيد (د) لفظ رديء ومعنى رديء. وقد استعملنا هنا لفظتي " الجودة والرداءة " وإن كان أبن قتيبة لم يستعملهما وإنما استعمل أحياناً: " ضرب حسن لفظه فإذا أنت فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى " أو " ضرب منه جاد معناه وقصرت ألفاظه "، ولم يستعمل لفظتين حاسمتين في دلالتهما؛ وإنما فعل ذلك ليكون أبعد عن الحدة التي قد تستشف من قولنا " جيد ورديء " وآثرنا إلزامه بلفظتين لكي لا تضطرب عليه القسمة المنطقية، فالمسألة إذن مسألة صلة بين المعنى واللفظ، وعلاقة الجودة في كليهما معاً هي المفضلة، وهذا يعني أن المعاني نفسها تتفاوت، وإنها ليست كما زعم الجاحظ " مطروحة في الطريق "، ويستشف من أمثلة أبن قتيبة أن المعنى عنده قد يعني الصورة الشعرية مثلما يعني الحكمة. ولكن هذه الأمثلة نفسها تشير إلى أنه يستمد حكمه من بيت واحد أو بيتين أو ثلاثة في الأكثر. إن قضية " اللفظ والمعنى " لم تتناول العمل الأدبي كله بحيث تتطور إلى ما نسميه " الشكل والمضمون "، ولا هي استطاعت أن تقترب مما قد يسمى " الصلة الداخلية " بين هذين، ولعلها كانت ذات أثر بعيد في صرف النقد عن تبين وحدة الأثر الفني في مبناه الكلي، غير أنها رغم ذلك، أسلم من الانحياز السافر إلى جانب اللفظ.

<<  <   >  >>