للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثنائية الطبع والتكلف

إلى جانب معادلة اللفظ والمعنى وقف أبن قتيبة عند قسمة ثنائية في النظرية الشعرية، فقد كثر الحديث في عصره عن الطبع والتكلف، دون تحديد لهذين المصطلحين، فتناولهما أبن قتيبة بالتفسير والتمثيل. وقد خفي على الدارسين المحدثين أن قلة " المصطلح النقدي " لدى أبن قتيبة جعلته يستعمل اللفظتين بمدلولات مختلفة، فالتكلف حين يكون وصفاً للشاعر مختلف عن " التكلف " حين يكون وصفاً للشعر، تقول شاعر " متكلف " - بكسر اللام - وتعني ما نعنيه حين نقول إنه " صانع " ولهذا يقول أبن قتيبة: " فالمتكلف (من الشعراء) هو الذي قوم شعره بالثقاف ونفحه بطول التفتيش وأعاد فيه النظر بعد النظر كزهير والحطيئة؟ " (١) . ولا نظن أن أبن قتيبة يستر ذل شعر زهير والحطيئة أو يراهما دون من يسميهم " الشعراء المطبوعين "، وتقول " شاعر مطبوع " وتعني في ذلك ما نعنيه اليوم بعفوية القول وتدفقه - يقول أبن قتيبة " والمطبوع من الشعراء من سمح بالشعر واقتدر على القوافي، وأراك في صدر بيته عجزه وفي فاتحته قافيته، وتبينت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة وإذا أمتحن لم يتلعثم ولم يتزحر " (٢) ؛ وهذا يعني أن الطبع يشمل القول على البداهة مثلما يشمل " الصنعة الخفية " التي لا تظهر على وجه الأثر الفني. فإذا قلت " شعر متكلف " - بفتح اللام المشددة - عنيت ظهور " التفكر وشدة العناء ورشح الجبين وكثرة الضرورات وحذف ما بالمعاني إليه حاجة وزيادة ما بالمعاني غنى عنه " (٣) ، وهذا يقابل ما نسميه " رداءة الصنعة " وليس كذلك شعر المنقحين أمثال زهير والحطيئة، على أن بعض المتكلف من الشعر قد يكون جيداً محكماً - في رأي أبن قتيبة - ولكن لا أظنه يعني: ما تكثر


(١) الشعر والشعراء: ٢٢.
(٢) نفسه: ٣٤.
(٣) نفسه: ٣٢.

<<  <   >  >>