للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من كتب المشارقة كمصنف ابن أبي شيبة وفقه الشافعي والتاريخ لخليفة ابن جياط، والطبقات له أيضاً وكتاب سيرة عمر بن عبد العزيز للدورقي ونسخة من كتاب العين سمعها على ابن ولاد بمصر. وأما ابن وضاح فانه كان عالما بالحديث بصيرا بطرقه، متكلما على علله، وأما الخشبي فانه لقي لغويي المشرق في رحلته فأخذ عنهم كثيرا من كتب اللغة، رواية الأصمعي، ودخل بغداد وكتب بها كتب أبي عبيد القاسم بن سلام، وأدخل الأندلس كثيرا من حديث الأئمة وكثيرا من اللغة والشعر الجاهلي رواية. فالثقافة التي تلقاها ابن عبد ربه عن هؤلاء الأعلام تشمل الفقه والحديث واللغة والسير والأخبار. ومعرض هذه الثقافة كتاب " العقد "، لأن فيه نقولا من كتب المشارقة وفي رأسها كتب ابن قتيبة وكتب ابن سلام وبخاصة كتاب " الأمثال " فانه قد اقتبسه في كتاب العقد، بشيء من الاختصار، هذا عدا اطلاعه الواسع على دواوين شعراء المشرق ومؤلفات اللغويين. ولهذه الثقافة أثرها في شهره، كما سأبين من بعد.

وقد اكتسب ابن عبد ربه بعلمه أولاً وبشعره ثانيا مكانة كبيرة بين علماء الأندلس وادبائها وفي بلاط امرائها، واغتنى بعد فقر وساد بعد خمول حيث اتفقت له أيام كان للعلم فيها نفاق (١) ، إلا انه جنح إلى الشعر فغلب عليه.

وكان متصاونا متدينا آخذا بحظه من المتع المباحة، وقد مر بنا كيف كان مغرما بالغناء يدافع عنه ويرى اباحته، اما الخمر فلا أظنه كان يشربها وان اكثر من ذكرها في شعره. على انه قد يستشف من ندمه عندما كبر انه كان مقبلا على اللذات، ولكني اعتقد ان توبته كانت توبة الفقيه المتحرج لا توبة اللاهي العابث، واعني بالفقيه المتحرج من يدركه الخوف من صغائر الذنوب في شيخوخته ومن ينظر إلى الغزل أو القول في الخمر أو إلى استماع الغناء والنظر إلى الجواري الجميلات


(١) الجذوة: ٩٤

<<  <   >  >>