للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذه الوقعة قنتيش، وهرب المهدي بعد الوقعة إلى طليطلة، مستعينا بالإفرنجة وعساكر الثغور، وجمع منهم جموعا وعاد في شهر شوال من العام نفسه، فانهزم سليمان ودخل المهدي قرطبة من جديد، ولكن جيشه لم يتحمل بقاءه، ونصبوا هشاما المؤيد، ثم عاد سليمان فملك قرطبة، وكتب إلى المدن الأخرى يذكر فتحه المدينة وكيف قهر الناس وقتل من عصاه، فازداد نفور أهل المدن الأخرى منه بدلا من ان يتألفهم. وقد أقام سليمان حوالي سبع سنوات وصفها ابن حيان بانها " كانت كلها شدادا نكدات صعابا مشئومات، كريهات المبدأ والفاتحة، قبيحة المنتهى والخاتمة لم يعد فيها حيف، ولا فورق خوف، ولا تم سرور، ولا فقد محذور، مع تغير السيرة وخرق الهيبة واشتعال الفتنة واعتلاء المعصية وطعن الأمن وحلول المخافة: دولة كفاها ذما أن أنشأها شانجة فقشعها ارمنقد وثبتتها ومزقتها الفرنجة، ودبرها فاجر شقي ووزر لها خب دني، فتمخضت عن الفاقرة الكبرى وآلت بمن أتى بعدها إلى ما كان أعضل وأدهى مما طوى بساط الدنيا، وعفى رسمها وأهلك أهلها " (١) .

وتوفي المؤيد في بعض تلك الايام، واستقر الأمر لسليمان المستعين، فانتقل إلى الزهراء وعين الولاة على الجهات فأعطى البيرة لبني زيري بن مناد وأعطى سرقسطة لمنذر بن يحيى وولى علي بن حمود على سبتة، وقسم المدن الأخرى بين زعماء البربر الآخرين.

وأخذ الفتيان العامريون يجددون المحاولات لاستعادة دولتهم، وعملوا على تقويض ملك سليمان المستعين، فكاتبوا علي بن حمود صاحب سبتة وذكروا له ان المؤيد هشاما قد ترك له عهدا بالخلافة، فانتشق ابن حمود على صاحبه المستعين، واجتاز سنة ٤٠٤ إلى الأندلس وانضم إليه خيران العامري وحبوس الصنهاجي، والتقت جيوشهم بالمستعين أوائل سنة ٤٠٧ فهزم سليمان وقبض عليه وقتل، وصارت الدولة بقرطبة إلى علي بن حمود


(١) الذخيرة ١/١: ٢٥

<<  <   >  >>