للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والأدبية معا، ومن الطريف أن الاثنين اللذين أبديا شيئا من الوعي الذاتي في تراجمها الذاتية هما اللذان ابرزا حركة النقد، اعني ابن شهيد وابن حزم، وقد مر النقد قبلهما بحلقات المؤدبين، وردت بعض النظرات النقدية في " العقد " لابن عبد ربه، ثم اصبح الناقد الأول في الدولة أيام المنصور هو الحكم الذي ينزل الشعراء منازلهم ويصنفهم في مراتبهم، وعاد النقد من جديد بعد الفتنة إلى حلقات المؤدبين أيضاً، فحاول ابن شهيد بخاصة انتزاعه من تلك البيئة وكانت جهوده وجهود صديقه ابن حزم في هذه جوابا على مشكلتين: مشكلة عامة، ومشكلة خاصة. أما العامة فهي: ما موقف الأندلس عامة من الحياة الأدبية وهل فيها من يمكن يوضع إزاء شعراء المشرق؟ وكان جواب هذا السؤال ان كتب ابن حزم رسالة في فضل الأندلس، وميز في جملة ما ميزه من أسباب فضلها الشعر والشعراء فيها، وحكم على الشعراء أحكاما متباينة، وقدم من اعتقد انه يستحق التقديم، وكتب ابن شهيد كتابه " حانوت عطار "، وترجم فيه، مستغلا مقدرته النقدية، لشعراء معاصرين، ولا تخلو نظراته في هذا الكتاب من بصر نافذ بالشعر، حسب مقاييسه النقدية. وأما المشكلة الخاصة فهي مشكلة ابن شهيد نفسه، ما منزلته بين أدباء بلده وأدباء المشرق؟ وهل من الضروري لأديب مثله التوسع في القراءة أو هناك ما يغني عن ذلك؟ وكانت هذه المشكلة هي التي دفعته إلى كتابة رسالة " التوابع والزوابع " ورسائل أخرى، وربما كان كتابه " كشف الدك وإيضاح الشك " منبثقا عن هذه المشكلة أيضاً.

ابن شهيد والنقد

على ان العنصر النقدي في " التوابع والزوابع " محدود لا يتعدى مجال ما استحسنه ابن شهيد من شعر هذا الشاعر أو ذاك، ثم نماذج يعتقد تقديمها من شعره هو نفسه ومن نثره، ويقارن بين بعض المعاني

<<  <   >  >>