للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

البحر بعد ذلك أيام سليمان بن عبد الملك إلى القسطنطينية، وكان الأمير بها في تلك السفن هبيرة الفزاري، واما صقلية فانها فتحت صدر أيام الاغالبة سنة ٢١٢، أيام قاد إليها السفن غازيا أسد بن الفرات الغازي، صاحب أبي يوسف رحمه الله تعالى، وبها مات، وأما اقريطش فانها فتحت بعد الثلاث والمائتين (١) ، افتتحها أبو حفص عمر بن شعيب (٢) ، المعروف بابن الغليظ (٣) ، ومن أهل قرية بطروج (٤) ، من عمل فحص البلوط، المجاور لقرطبة من بلاد الأندلس، وكان من فل الربضين، وتداولها بنوه بعده إلى ان كان آخرهم عبد العزيز بن شعيب الذي غنمها أيام ارمانوس بن قسطنطين ملك الروم سنة ٣٥٠، وكان اكثر المفتتحين لها أهل الأندلس.

٤ - واما في قسم الأقاليم فان قرطبة مسقط رءوسنا، ومعق تمائمنا مع سر من رأى في إقليم واحد، فلنا من الفهم والذكاء ما اقتضاه اقليمنا، وان كانت الأنوار لا تأتينا إلا مغربة عن مطالعها على الجزء المعمور. وذلك عند المحسنين للاحكام التي تدل عليها الكواكب ناقص من قوى دلائلها، فلها من ذلك، على كل حال، حظ يفوق حظ اكثر البلاد، بارتفاع أحد النيرين بها تسعين درجة، وذلك من أدلة التمكن في العلوم، والنفاذ فيها عند من ذكرنا، وقد صدق ذلك الخبر، وأبانته التجربة، فكان أهلها من التمكن في علوم القراءات والروايات، وحفظ كثير من الفقه، والبصر بالنحو والشعر واللغة والخبر والطب والحساب والنجوم، بمكان رحب الفناء، واسع العطن، متنائي الأقطار، فسيح المجال.

٥ - والذي نعاه علينا الكاتب المذكور، لو كان كما ذكر، لكنا فيه


(١) الجذوة: بعد الثلاثين والمائتين، ومن هنا اصح لان هذا هو تاريخ فتنة الربض.
(٢) ترجمته في الجذوة: ٢٨٢ وقد نقل الحميدي ما قاله ابن حزم.
(٣) الجذوة: المعروف بالغليظ.
(٤) ويقال: بطروش، وهو حصن شامخ الحصانة من أعمال قرطبة ويحيط البلوط بجباله وسهوله، وأهلها يحفظونه، ويستعينون به على لغذاء في أيام الشدة.

<<  <   >  >>