للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويتعمق ابن حزم استبطان أحواله النفسية في بعض مذكراته كأن يقول " وعني أخبرك أني ما رويت قط من ماء الوصل ولا زادني إلا ظمأ ... ولقد بلغت من التمكن بمن أحب أبعد الغايات التي لا يجد الإنسان وراءها مرمى، فما وجدتني إلا مستزيداً، ولقد طال بي ذلك فما أحسسن بسآمة، ولا رهقتني فترة؛ ولقد ضمني مجلس مع بعض من كتب أحب، فلم أجل خاطري في فن من فنون الوصل، إلا وجدته مقصراً عن مرادي، وغير شاف وجدي، ولا قاضٍ قل لبانة من لباناتي، ووجدتني كلما ازددت دنواً ازددت ولوعاً " (١) .

ويتدرج من هذا التعميم أحياناً إلى التفصيل الدقيق للحادثة الواحدة، فيعرضها في صراحة، قل أن تجد لها مثيلا. ولكن مما قلل من صراحته في الكتاب، أنه لم يستطع أن ينسب كثيراً من الوقائع إلى نفسه، فاكتفى بالتلميح أحياناً، وكنى عن أسماء الأحياء مراعاة لمشاعرهم، وفاته كثير من الذكريات لأنه كان كما قال: " فأنت تعلم أن ذهني متقلب، وبالي مهصر بما نحن فيه من نبو الديار، والجلاء عن الأوطان، وتغير الزمان، ونكبات السلطان، وتغير الإخوان، وفساد الأحوال وتبدل الأيام ... " (٢) ولم يكتب أحد في موضوع الحب كتابة قائمة على التجربة والمشاهدة، والاعتراف وبعض التعمق النفسي، مثلما فعل ابن


(١) طوق الحمامة: ٦٢.
(٢) المصدر نفسه: ١٥٤.

<<  <   >  >>