للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم تتميز السيرة بوضوح في أدب كما تميزت في الأدب الإنجليزي، وربما لم تصل في غير هذا الأدب، ما وصلته فيه من درجة فنية؛ وكل هذا يشير إلى أن السيرة في شكلها الأدبي، لا تزال حديثة النشأة، وأبعد نماذجها يرجع إلى القرن الثامن عشر. فهو العصر الذي يقع بين الحروب الإنجليزية الأهلية والثورة الفرنسية، وفيه تحسن حال الطبقة الوسطى، وقام مناضلون في سبيل مبادئ جديدة، واصبح هنالك جمهور يحب قراءة هذا النوع من الأدب، لأنه يحب أن يملأ فراغ حياته بشيء جدي، وأخذ حب الاستطلاع يدفع المرء إلى أن يعرف أحوال جاره. فكان ذلك من أشد ما ساعد على إنماء السير والإقبال على إنشائها، وغدت كتابتها مربحة تدر على صاحبها مالاً وفيراً، وهذه شجع أيضاً على كتابة السير الذاتية، فمن استطاع أن يكتب حياته يومئذ بطريقة تبهر القراء أو تهزهم أو تبعث المتعة في نفوسهم، ضمن لنفسه ربحاً جزيلاً.

وفي ذلك اعصر تلقت السيرة مؤثرات من المسرحية إلا أن تأثير القصص فيها أعمق وأبعد مدى، واتجهت يومئذ إلى الذاتية وأصبحت مطولة لا موجزة، ديموقراطية النزعة في اختيار من تكتب سيرهم، وحلت دوافع حب الاستطلاع محل الدوافع الدينية والتعليمية السابقة. وعلى الرغم من أن المحافظة كانت طابع ذلك العصر في كثير من نواحيه، فإن السيرة كانت صورة جديدة للتجربة والاستكشاف، حتى لقد زاد الميل إلى

<<  <   >  >>