للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنايتي بطلب الحق، وحرصي على إدراكه، فما صنعته في العلوم الرياضية خمسة وعشرون كتاباً.. " الخ: ثم يأخذ في تبيان ذلك على وجهه (١) .

وكاتب السيرة الذاتية قريب إلى قلوبنا، لأنه إنما كتب تلك السيرة من اجل أن يوجد رابطة ما بيننا وبينه، وأن يحدثنا عن دخائل نفسه وتجارب حياته، حديثاً يلقى منا أذناً واعية، لأنه يثير فينا رغبة في الكشف عن عالم نجهله، ويوقفنا من صاحبه موقف الأمين على أسراره وخباياه؛ وهذا شيء يبعث فينا الرضى، وقد يأسرنا فيحول أنظارنا عن نقد الضعيف والواهي في سرده، ويحملنا على أن نتجاوز له عن الكذب، ونتقبل أخطاءه بروح الصديق، وإذا أدى الكاتب هذه المهمة فقد رضي أيضاً عن نفسه لأن دوافعه إلى التحدث هي الدوافع التي تحدو صاحب السر إلى الإفضاء بمكنونات صدره، دون تحرج أو تأثم. وقد يكون العالم الداخلي الذي يطلعنا عليه صورة لصراعه مع الحياة، في الأحوال التي يعدها الناس طبيعية عادية، وقد يكون نتيجة لفترات الاضطراب والحرب ومظاهر الاستبداد، والثورات، فهذه العهود مجال خصب تظهر فيه السير الذاتية بغزارة. وقد دل الاستقصاء على أن فترة الحرب الثانية كانت خصبة وافرة الحظ من السير الذاتية، وإن الكتاب كانوا على


(١) نقل مختصراً عن طبقات ابن أبي أصيبعة ٢: ٩٣.

<<  <   >  >>