(الشَّرْحُ) الطَّعَامُ الرَّطْبِ مِنْهُ مَا يَخْرُجُ عَنْ الرُّطُوبَةِ فِي حَالٍ يَصِيرُ يَابِسًا وَهَذَا يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ وَإِلَى مَا لَا يدخر فذكر المصنف في الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا إذَا تُرِكَ لَمْ يَنْتَنْ مِثْلَ الزَّيْتِ والسمن والشيرج والادهان واللبن والخل وغيره مِمَّا لَا يَنْتَهِي بِيُبْسٍ فِي مُدَّةٍ جَاءَتْ عليه ابدا إلَّا أَنْ يَبْرُدَ فَيَجْمُدَ بَعْضُهُ ثُمَّ يَعُودُ ذَائِبًا كَمَا كَانَ أَوْ بِأَنْ يُقَلَّبَ بِأَنْ يُعْقَدَ عَلَى نَارٍ أَوْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ يَابِسٌ فَيَصِيرُ هَذَا يَابِسًا بِغَيْرِهِ وَعَقْدِ نَارٍ فَهَذَا الصِّنْفُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا يَكُونُ رَطْبًا بِمَعْنَيَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ رُطُوبَةَ مَا يَبِسَ مِنْ التمر رطوبة في شئ خلق مستحسلا انما هو رطوبة طرأ كطروت اغْتِذَائِهِ فِي شَجَرِهِ وَأَرْضِهِ فَإِذَا زَالَ مَوْضِعُ الِاغْتِذَاءِ مِنْ مَسِّهِ عَادَ إلَى الْيُبْسِ وَمَا وُصِفَتْ رُطُوبَتُهُ مُخَرَّجَةً مِنْ أَمَاتَ الْحَيَوَانِ أَوْ تمر شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ قَدْ زَالَ الشَّجَرُ وَالزَّرْعُ الَّذِي هُوَ لَا يَنْقُصُ بِمُزَايَلَةِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ نَفْسُهُ وَلَا يَجِفُّ بِهِ بَلْ يَكُونُ مَا هُوَ فِيهِ رَطْبًا انْطِبَاع رُطُوبَتِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَا يَعُودُ يَابِسًا كَمَا يَعُودُ غَيْرُهُ إذَا تُرِكَ مُدَّةً إلَّا بِمَا وَصَفْتُ فَلَمَّا خَالَفَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَقِيسَهُ عَلَيْهِ وَجَعَلْنَا حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ وَلِأَنَّا كَذَلِكَ نَجِدُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ لَا مُتَنَقِّلًا إلَّا بتنقل غيره اه فَهَذَا الْقِسْمُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ بَلْ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِهِ فِيمَا بَعْدُ كَالْخُلُولِ وَالْأَلْبَانِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاقْتَصَرَ عَلَى الرَّطْبِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ يَابِسُهُ وَقَسَّمَهُ قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) الَّذِي يُدَّخَرُ يَابِسُهُ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ
وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْفُولِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرُّمَّانِ الْحَامِضِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكُلُّ مَا غَالَبَ مَنَافِعُهُ فِي حَالِ يُبْسِهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبِهِ بِرُطَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ في باب بيع الآجال وكل شئ مِنْ الطَّعَامِ يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَصْلُحُ مِنْهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فقال (اينقص الرطب إذا يبس فقال نَعَمْ فَنَهَى عَنْهُ) فَنَظَرَ فِي الْمُتَعَقَّبِ فَكَذَلِكَ نَنْظُرُ فِي الْمُتَعَقَّبِ فَلَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لانهما إذا تيبسا اختلف نقصيهما فَكَانَتْ فِيهِمَا الزِّيَادَةُ فِي الْمُتَعَقَّبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْأُمِّ نَحْوُ ذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ فِي بَابِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا مَا جَازَ في الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبُ نَفْسُهُ بِبَعْضٍ لَا يَخْتَلِف ذَلِكَ وَهَكَذَا مَا كَانَ رُطَبًا فِرْسِكٌ وَتُفَّاحٌ وَتِينٌ وَعِنَبٌ وَإِجَّاصٌ وَكُمَّثْرَى وَفَاكِهَةٌ لَا يُبَاعُ شئ منها بشئ رطبا ولا رطب منها بيابس ولا جزاف مِنْهَا بِمَكِيلٍ (قُلْتُ) وَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute