فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ التمرة بالتمرة فَيَشْمَلُ الرُّطَبَ وَسَائِرَ أَحْوَالِهِ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصْرَحُ مِنْ رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ (نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ) فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعًا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَتَكُونُ مُوَافِقَةً لَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إحْدَاهُمَا التَّمْرُ بِالْمُثَنَّاةِ وَكَذَلِكَ ضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْأُولَى بِالْمُثَلَّثَةِ وَالثَّانِيَةَ بِالْمُثَنَّاةِ يَعْنِي بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ هَذِهِ فَصَرِيحَةٌ فَإِنَّهَا بِزِيَادَةِ الْهَاءِ فِي آخِرِهَا وَلَمَّا لَمْ يَتَمَسَّكْ الْأَصْحَابُ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ اعْتَرَضَ الْمُخَالِفُونَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ النُّقْصَانَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مُوجِبٌ لِلتَّفَاوُتِ وَالنُّقْصَانَ فِي الطَّرَفَيْنِ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفَاوُتِ النَّقْصِ فِي الْأَرْطَابِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرَاعِ التَّفَاوُتَ فِي الثَّانِي وَإِنَّمَا رَاعَى النُّقْصَانَ إذَا يَبِسَ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الرَّطْبَيْنِ وَلَك أَنْ تَقُولَ هَذَا الْجَوَابُ الثَّانِي جُمُودٌ عَلَى
الْوَصْفِ وَظَاهِرِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّقْصَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ بحصول التفاضل فِي الرِّبَوِيِّ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ نَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ يَشْتَمِلُ مَا إذَا بِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَمَا إذَا بِيعَ خَرْصًا كَمَا إذَا بَاعَ صَاعَ تمر بصاعين رطبا فظن أنه يجئ مِنْهَا صَاعٌ وَالْأَوَّلُ فِيهِ الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ بَيْنَ الرطبين لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي حَالِ الْأَرْطَابِ صَارَ غَيْرَ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا جُزَافًا وَاحْتِمَالُ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْجَفَافِ كَاحْتِمَالِ كَوْنِ الصُّبْرَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَيْضًا فَكُلُّ جِنْسٍ اُعْتُبِرَ التَّمَاثُلُ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَالْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ بِدَلِيلِ النَّهْيِ عَنْ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ جُزَافًا وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ لِحَالَةِ الْكَمَالِ وَالِادِّخَارِ تَحْقِيقٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ لَا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّورَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا
* وَاعْتَرَضُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا بِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْعَرَايَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ مَعَ الحرص لَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بَلْ هِيَ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ فِي الْعَرَايَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْمُسَاوَاةُ بِالْخَرْصِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فَوْقَ الشَّكِّ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ في هذه النخلة رطب يجئ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا التَّمْرِ الْمَكِيلِ عَلَى الْأَرْضِ جَوَّزْنَاهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ الْمَقْطُوعَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْخَرْصِ أو تكون العلة منقوصة كَمَا هِيَ فَيُحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ غَيْرِ هَذَا فَنَقُولُ إنَّ الشَّارِعَ اكْتَفَى بِالظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ الْخَرْصِ رُخْصَةً فِي الْعَرَايَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute