للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[الأدب والخمر في الإسلام]

ومن الدلالة على صدق الأدب العربي وقدرة تصويره على أحوال الأمة الإسلامية أنه لم يخل من الأمثلة الأدبية التي تصور دوره في كل ما مر بالمسلمين من أحداث ومشكلات، وما خامر عقول الأدباء والشعراء من خواطر وآراء، فلم يخل جملة واحدة من النماذج الأدبية التي تصور حنين الذين ظلوا يعاقرونها ويعدزون عن الإقلاع عنها، كما تصور ما نالهم بسببها من حدود وما تعرضوا له من أجلها من طرد وإبعاد، وأصدق هذه النماذج ما صدر عن ذوي التجارب الشعرية الحقيقية في هذا المجال وعلى رأس هؤلاء أبو محجن الثقفي، وقد كان صاحب خمر مولعا بالشراب يتغنى بها، وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أقام عليه حد شرب الخمر عدة مرات ثم نفاه وحبسه فهرب من محبسه، ولحق بسعد بن أبي وقاص وهو في معارك القادسية بالعراق في جهاد المسلمين ضد الفرس، فبلغ عمر خبره ولحاقه بسعد فأرسل إليه يأمره بحبسه فحبسه سعد، فلما كان يوم "أغواث" من أيام القادسية في السنة الرابعة عشرة من الهجرة، جال المسلمون في الحرب جولة حتى كاد المسلمون ينهزمون، وتروي له كتب الأدب والتراجم والتاريخ أبياتا شعرية يقولها متحسرا على حرمانه من الجهاد، وفي آخرها يعاهد الله على التوبة، من شرب الخمر، وألا يغشى الحانات إن فرج الله كربه، وفك أسره، وأمكنه أن يشارك في الجهاد، ومن أبياته تلك قوله:

كفى حزنا أن تطرد الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا على وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وأغلقت ... مصاريع من دوني تصم المناديا

وقد كنت ذا مال كثير وإخوة ... فقد تركوني واحدا لا أخاليا

ولله عهد لا أخيس بعهده ... لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا

وتتفق أكثر الروايات في خبر على أنه أبلى في يوم أغواث من أيام القادسية بلاء حسنا، وأنه كان يمتطي فرس سعد بن أبي وقاص المسماة بالبلقاء، وتختلف الروايات في

<<  <   >  >>