للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول الذي نصر دون تحقيق لم يدر ولا عرف من نصر ولا قوله، وهذا هو الأغلب في الناس، وتجد من هذه صفته يضن على أخيه وجاره بزبل منتن عند رجل حماره يبذله لمن ينتفع به وهو أسمح الناس بالنطق الذي بان به عن التيوس والكلاب في غير اجر ولا بر لكن في الباطل والوزر والافساد وان لم يحصل من ذلك ظاهرا الا على تحسن انابيب صدره وتصديع رأسه واحتدام طبعه وان سفه وسفه عليه. وصنف آخر ينصر ما عقد عليه بنيته واعتقده بغير برهان فلا يبالي بما نصره من حق أو باطل أو محال أو مكابرة أو أذى، وكذلك لا تجده اعتقد ما اعتقد إلا إلفا أو تقليدا أو شهوة، دون تحري حق ولا مجانبة باطل، وهؤلاء كثير وهم دون الأولين. وصنف ثالث لا يقصدون الا إلى نصر الحق وقمع الباطل وهؤلاء قليل جدا ولا أعلم في الموجودات شيئا أقل [٨٩ظ] منه البتة، نسأل الله تعالى ان يثبتنا في عددهم ولا يخلينا عن هذه الصفة الكريمة بمنه آمين، فان العاقل ينبغي له أن يبغض نفقة حياته ونطقه اللذين بهما أبانه خالقه عن الجمادات وسائر الحيوانات في غير ما ينتفع بع لمعاده أثر مما يبغض انفاق ماله الذي هو غاد عنه ورائع.

واعلم ان ماذكرنا من الوقوف على الحقائق لا يكون الا بشدة البحث، وشدة البحث لا تكون الا بكثرة المطالعة لجميع الآراء والاقوال والنظر في طبائع الاشياء وسماع حجة كل محتج والنظر فيها والتفتيش، والاشراف على الديانات والنحل والمذاهب والاختيارات واختلاف الناس وقراءة كتبهم، فمن ذم من الجهال ما ذكرنا خالف ربه تعالى، فقد أعلمنا عز وجل في كتابه المنزل أقوال المختلفين من اهل الجحد القائلين بأن العالم لم يزل، ومن اهل الثنوية، ومن اهل التثليث والملحدين في صفة كل ذلك ليرينا تعالى تناقضهم وفسادهم أقوالهم.

ثم نرجع فنقول: ولا بد لطالب الحقائق من الاطلاع على القرآن ومعانيه ورواية الفاظه وأحكامه وحديث النبي صلى الله عليه وسلم وسيره الجامعة لجميع الفضائل المحمودة في الدنيا والموصلة إلى الآخرة. ولا بد مع ذلك من مطالعة الاخبار القديمة والحديثة والاشراف على قسم البلاد ومعرفة الهيئة والوقوف على اللغة التي تقرأ الكتب المترجمة بها والتحري في وجوده المستعمل منها ولا بد له من مطالعة النحو ويكفيه

<<  <   >  >>