للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فبعض ممن لم يستطع مواصلة دراسته يأنف من العمل في الصنائع المهنية التي ربما لو عمل فيها لكان مبدعاً، يشار إليه بالتفوق الذي ربما لا يحققه في السلم التعليمي. وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى أهمية مراعاة استعدادات الصبي لما هو مهيأ له، فيذكر أنه مما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره، ما كان مأذوناً فيه شرعاً، فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ واعياً، فهذه من علامات قبول العلم، وإن رآه بخلاف ذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع، مستعداً لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكنه منها، وهذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه١.

ومن هنا لابد للمنهج التعليمي أن يراعي ويحقق الميول لدى الدارسين بأهمية الأعمال المهنية، من خلال دراسة السيرة النبوية، وسير الأنبياء عليهم السلام، وكذلك الصحابة، وعلماء الأمة، فقد "كان داود زرادا، وكان آدم حراثا، وكان نوح نجارا، وكان إدريس خياطا، وكان موسى راعيا"٢. وكان الإمام أبو حنيفة يتجر في الخز، وكان ماهراً فيه٣. وكان الإمام أحمد بن حنبل يعمل التكك ويبيعها، ويتقوت بها٤.


١ ابن قيم الجوزية، تحفة المودود بأحكام المولود، ص ١٤٧-١٤٨.
٢ ابن حجر، فتح الباري ٤/٣٠٧.
٣ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي، الخيرات الحسان في مناقب الإمام أبي حنيفة، ص ٨٣.
٤ الذهبي، سير أعلام النبلاء ١١/١٩٣.

<<  <   >  >>