للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:
مسار الصفحة الحالية:

[مرحلة الرشد]

وهي التي تسمى بمرحلة النضوج أو وسط العمر وتقع في الفترة ما بين الأربعين والستين وفيها يكتمل نمو الإنسان وينضج عقله وتطمئن نفسه ويبلغ أشده، وتربية الإسلام في هذه المرحلة أن يجدد التوبة وأن يرجع إلى الله ويعزم على ترك المعاصي وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} (الأحقاف/ ١٥. ١٦) وفي تفسير الآية يقول ابن كثير مشيرا إلى قوله تعالى {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} : "أي قوي وشب وارتجل وبلغ أربعين سنة أي تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه ويقال: إنه لا يتغير غالبا عما يكون عليه ابن الأربعين"١.

وفي هذه المرحلة يكون المرء قد نضج أخلاقيا الأمر الذي يقلل احتمال انحرافه بعد هذه السن فهو دائم الدعاء إلى الله أن يثبته ويقويه ويعصمه من الزلل (فقد روى أبو داود في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد: "اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك فاقبلها وأتمها علينا" ٢.

أما مرحلة الشيخوخة والتي تبدأ من الستين فهي مرحلة العطاء لا الأخذ والاستعانة بالله وطلب العون والانقطاع إلى عبادة الله والتضرع إليه وهي المرحلة التي يلجأ إلى أهلها من قبلهم مستفسرين سائلين يطلبون التوجيه والعون لأنهم أهل الذكر يحبهم الله ويغفر لهم ويشفعهم في أهلهم.

وهكذا نجد الإسلام قد تعهد الإنسان بالتربية والهداية والتوجيه في جميع مراحل حياته وإلى أن يفارق الدنيا ورسم له الطريق الواضح المستقيم الذي يعصم من الزلل ويقود إلى النجاة. والجنة بعون الله وفضله.


١ ابن كثير ج٤ ص ١٥٧.
٢ ابن كثير ج٤ ص ١٥٨.

<<  <